انعكاس خلاف اﻷسد ومخلوف واﻷربعين حرامي على الملف السوري


 

 

 

أحاديث رامي مخلوف وتسجيلاته التي خاطب عبرها رأس النظام السوري على وسائل التواصل وما تبعها من تداعيات داخل النظام والطائفة تحديدًا تطرح علينا العديد من التساؤلات عما يجري في دمشق وتعطينا لمحة عن خلاف بدأ يدب داخل النظام وبين أركانه الأساسية وأعمدته من أبناء الطائفة، فمخلوف ليس مواطناً سورياً عادياً فهو أداة النظام الاقتصادية وخازن بيت مال العائلة ومشغلها الرئيسي فما الذي حدث؟ وهل وصلت الأمور من التأزم إلى الحد الذي لا يستطيع رامي أن يلتقي فيها برئيس النظام أم أن ما يجري هو لعبة بين الاثنين للتسويق الداخلي بين أفراد الطائفة أو الخارجي للدول من أجل تبييض صفحة رامي الذي بدا وكأنه مصلح اجتماعي أو رجل دين وداعية للخير لكنه ونتيجة لعدم الحنكة ولسيطرة الجانب الاستعلائي والاستبدادي على شخصيته فقد سقط في خطابه وكانت نتيجته صفرية على المستوى العام السوري والدولي وذلك ﻷنه تكلم من حيث لا يدري وركز على موضوع طائفي وكأن هناك آخر مغاير يريد أخذ المال. ثم أدان نفسه بلسانه عندما تحدث عن اﻷمن والجيش اللذان دعمهما كما يزعم في حربهما ضد الشعب ولكنه يتساءل بنفس الوقت كيف يمكن لهما أن يظلمانه فأي تناقض هذا؟ 

ثم هناك تساؤل آخر وهو ما علاقة ما يتم الحديث عنه بين الدول وما يتم تسريبه في وسائل الإعلام الروسية عن فساد النظام السوري بهذا الذي يجري في دمشق ؟ وهل وصل الصراع بين الدول وخصوصاً إيران وروسيا على النفوذ في سورية إلى قلب النظام الرئيسي فلم يعد خافياً على أحد أن الصراع بين الدولتين قد وصل إلى حدود كسر العظم ؟ لأن الخلاف بين الدولتين في الرؤى حول مستقبل سورية ونظامها كبير جداً وروسيا ليست متمسكة باﻷسد إلا بحدود ما يلبي مصالحها ولذلك فهي مستعدة للتضحية به في مزاد المصالح بثمن بخس لأنه لا يعني لها شيئاً سوى كونه خادماً وتابعاً والخادم بالنسبة لسيده لا يعتبر ذو قيمة لأنه ومهما قدم من خدمات ففي لحظة من اللحظات سيبيعه هذا السيد لأن لغة المصالح تتغير من لحظة إلى أخرى ومتى وجدت موسكو من يلبي مصالحها فإنها ستتخلى عن هذا النظام الذي أصبح عبئاً عليها بينما إيران ورغم رضوخه وتبعيته لها كذلك إلا أنها تتعامل مع الموضوع من منظور آخر مختلف يستند إلى البعد الطائفي والعقائدي الذي تستخدمه إيران في كل ما يجري في المنطقة ويرتكز عليه كل المشروع الطائفي الذي تعمل عليه إيران في المنطقة ولا يمكن أن يتم مشروعها بدون سورية التي هي صلة الوصل البرية ما بين دولتي العراق ولبنان اللتان تسيطر  عليهما فعلياً ولا يمكن لأحد أن يستطيع خدمة إيران ومساعدتها على تحقيق مشروعها سوى هذا النظام الذي تماهى طائفياً معها فأي تغيير فيه يعني انتهاء حلمها بتشكيل الهلال الشيعي.

لذلك فإن الخلاف بين المشروعين يجب أن يحسم وسيستخدم الطرفان كل أوراقهما فيه ولعل رامي واﻷربعين حرامي ورقة من هذه الأوراق خصوصاً أن أغلب الأموال التي يديرها يضعها ما بين روسيا وأميركا اللاتينية ﻷن هذه الدول لا تتمتع بالشفافية المالية والسياسية ويمكن ان تدار بها الأعمال على طريقة العصابات والمافيات في إدارة أموالها وهذه هي الطريقة التي تناسب مخلوف كمتسلق وطارئ على عالم الأعمال ولأن مصدر أمواله معروف فهو من الاختلاسات واﻷتاوات ومن خلال سيطرته التامة على كل الاقتصاد السوري التي منحها إياه الأسد. 

وما يجعلنا نعتقد بأنه من أوراق الضغط كونه يتكلم من دمشق فلو لم يكن يتمتع بالحماية لما تمكن من هذا الحديث فهل ستؤتي هذه الورقة بعض ثمارها؟ باﻹضافة إلى التسريبات في اﻹعلام الروسي والتصعيد من قبل بعض المطبلين للنظام في سورية ضد موسكو؟! أعتقد أن اقتراب كورونا من نهاياته والتغيرات التي طرأت على العالم نتيجته والخسائر اﻹقتصادية التي منيت بها جميع الدول مما سيجعلها تبحث عن استثمارات لتعويض تلك الخسائر لذلك فقد وضع الملف السوري على الطاولة لأن إنهاء هذا الملف سيطرح استثمارات كبيرة من أجل إعادة اﻹعمار الذي يحتاج لمئات المليارات من الدولارات التي تبحث كل الدول عن حصتها فيها وخاصة روسيا المنهكة اقتصادياً أساساً باﻹضافة إلى تأثيرات كورنا وانخفاض أسعار النفط وما تخشاه من بقاء هذا النظام وتطبيق قانون قيصر عليه وما يترتب على تطبيقه من مفاعيل ستكون ثقيلةً على الاقتصاد الروسي المنهك لذلك ستبحث روسيا عن حل لإنهاء الصراع في سورية ولعل بوتين قد اقتنع بأنه لا يمكن أن يكون هناك حلاً في سورية بوجود رأس النظام الذي لم تعد هناك أي إمكانية لتسويقه أو تعويمه لا داخلياً ولا خارجياً بسبب الكم الهائل من اﻹجرام الذي قام به وعليه ستكون الأيام القادمة ساخنة وأعتقد أن  المزاد على مصير الأسد قد أصبح علنياً ومكشوفاً وهذا يستدعي خروج إيران من سورية لأن وجودها يعيق التغيير والاستقرار في سورية نتيجة الرفض الشعبي والدولي لوجودها عكس روسيا التي وإن كانت دولة احتلال في سورية ومرفوضة شعبيًا إلا أن وجودها قابل للنقاش مع موسكو التي قد تبرم معاهدات للخروج بعد أن تحافظ على مصالحها على العكس من إيران التي لا يمكن أن تخرج وتعمل على التغيير الديمغرافي. 

لكل ما ذكرناه سابقاً فإن سجالات اﻷسد ومخلوف قد تتفاقم وقد نسمع بسجالات أخرى سياسية أو عسكرية وربما انشقاقات بين أركان النظام حسب التبعية في ظل صراع المصالح بين الدول خصوصاً أن كل دولة أصبح لها نقاط ارتكاز على كافة الصعد وتستطيع التأثير ولعل أبرز هذه الصراعات التي ستحدث ما سنراه ربما من تفاقم للصراع في الجيش بين من يؤيدون طهران وموسكو وهذا ما سيجعل السوريون يدفعون ثمناً جديداً في حروب الوكالة.

كل المؤشرات تشير إلى أننا أمام أيام ساخنة قد بدأت وستكون أبرز نتائجها محاولة حل القضية السورية وإنهاء الاستعصاء رغم أنه لن يكون كما أراد السوريون، إلا أنني أعتقد أن كثيراً منهم يرون أن تغيير رأس النظام سيكون الخطوة اﻷولى نحو التغيير.

 

 

 

صفا التركي 

 كاتبة سورية

 

Whatsapp