الإنسان يبحث عن الأمن والأمان ويسعى للحفاظ وحماية لقمة عيشه، وخاصة حينما يشعر أن الأمور خارج نطاق سيطرته. ومع دق طبول الحروب التجارية، والتي تسير باتجاه حرب اقتصادية، إن كان بين الولايات المتحدة وبعض الدول أبرزها الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا مع ظهور فيروس كورونا الذي سيجبر الدول على إعادة النظر بكل معاهداته وأساليبه بإدارة اقتصاده، لذلك يبدو الوضع الاقتصادي غائمًا، وتزداد حالة عدم اليقين حول مستقبل الأسواق، ويثار القلق حول الاستثمارات الآمنة تقليديًا، ويصبح المستثمرون في حيرة من أمرهم حول الملاذات المناسبة لأموالهم في حال اقتراب العاصفة ، لننظر إلى سوق الأسهم الكلاسيكية بتراجع ملحوظ سببه هروب رؤوس الأموال وبحثها عن نقطة أمان وتراجع العملات وتوتر أغلبها مقابل العملة السيادية والحرب القائمة حول البترول وأسعاره أو حجم ضخه بالأسواق العالمية الذي انعكس على أسعار البترول الصخري الأميركي بشكل سلبي، والتخوف المستمر من سياسة الولايات المتحدة .
مع تصاعد حدة التوتر التجاري مؤخرًا والإجراءات ضد الصين في مجالات منها الرسوم الجمركية والحقوق الفكرية، نضيف إلى ذلك تمركز أغلبية الصناعات الأولية الطبية التي ثبت أنها صناعات استراتيجية بامتياز مع أزمة الكورونا وأن الصين تمتلك أكثر من 40% من الاحتياج الدولي ليتضح أن الحرب التي بدأت تجارية مع الصين قد تتحول تدريجيًا إلى اقتصادية استراتيجية بامتياز متجاوزة موضوع التسلح وصناعة السلاح بحد ذاته، وقد تنتشر لتشمل أطرافًا أخرى.
وإذا عدنا إلى البداية حول قول أن (الإنسان يبحث عن الأمن والأمان ويسعى للحفاظ وحماية لقمة عيشه) ، وكيف يمكن أن نحقق للإنسان تلك الرغبة وفق الظروف الحالية، ( طبول حروب، خطط لتغيير التشريعات والمنظومات الموضوعة ، انهيارات متسارعة ، توقف صناعي انتاجي ، إعادة صناعات مهاجرة، تغير بمفهوم العولمة والاقتصاد الليبيرالي ، تضخم ووو...) .
بلا شك أن أي "مواجهة اقتصادية" بين الدولتين الأولى والثانية من حيث حجم الاقتصاد عالميًا من شأنها أن تغير كافة القواعد المستقرة حاليًا، فضلًا عن إرهاصات اتساع المواجهات الاقتصادية مع أطراف أخرى، بما يفرض التساؤل حول ما يجب أن يفعله الإنسان في المستقبل القريب حفاظًا على أمواله. ولعل أول ما يجب التنبه إليه يقينًا، هو الإجراءات الأمريكية ضد الاستثمارات الصينية، بأن الولايات المتحدة لم تعد الملجأ الآمن الأول للاستثمارات وأن شكوكًا كبيرة ستثار حول مدى "انفتاح" الاقتصاد الأمريكي أمام الأجانب، بما يفرض البحث عن بدائل، لا سيما في ظل تصدر الولايات المتحدة للدول المستقطبة للاستثمارات خلال الأعوام الأخيرة.
بشكل مباشر ستتأثر شركات التكنولوجيا الأمريكية التي فرض ترامب عقوبات على الاستثمارات فيها، بما يخلق فرصة للاستثمارات "غير الصينية" بأن تعمل على إحلال نظيرتها الصينية تدريجيًا، غير أن هذا يبقى شريطة أن يكون المستثمرون باطمئنان إلى أن دولهم لن تتهم لاحقًا بسرقة التكنولوجيا الأمريكية بما يجعل أموالهم مستهدفة بدورها، وأن الحروب التجارية لن تتسع بحيث تقوض مبيعات تلك الشركات.
ومع الانكماش المتوقع للاقتصاد بسبب الحروب الاقتصادية فإنه يمكن التأكيد على أن العودة للاستثمار التقليدي في شراء الذهب خيار جيد بالوقت الحاضر ريثما تظهر علينا مجموعة من المنظرين بالاقتصاد وعلم الاجتماع ليتم تغيير ما يجب تغييره للوصول الى حلول طويلة الأمد والتي كلنا يعلم أنها ستكون قابلة للتغير والتعديل وفقاً لتطور الانسان واحتياجاته بشتى الميادين.
يبقى الأهم هو اختيار الدولة التي تتوجه إليها الاستثمارات، فإذا وصلت الحرب الاقتصادية لمراحل متقدمة بين الولايات المتحدة والصين فإنه من المنتظر أن تكون الاستثمارات في الدولتين في خط، لا سيما في الصين التي تعتبر الولايات المتحدة المشتري الأول لمنتجاتها (تستحوذ على قرابة ربع الصادرات الصينية تقريبًا)، أما الولايات المتحدة فاستهداف الاستثمارات الصينية تجعل باقي الاستثمارات من بقية الدول في غير مأمن أيضًا.
إن ملاذات الاستثمارات الآمنة، مثل سويسرا على سبيل المثال، ظهرت بسبب وجود صراعات سياسية واقتصادية إبان مرحلة الحرب العالمية الثانية والباردة، ومع اتباع تلك الدول لسياسات أقرب للحيادية فإنها كثيرًا ما تكون الأكثر أمنًا في وقت السيولة الاقتصادية العالمية، وهو ما ينتظر أن يحدث أيضًا حال اتساع نطاق الحروب التجارية والاقتصادية وزيادة حدتها.
ويبقى الأكثر تحقيقًا للربح في تلك الفترات هم الأكثر استعدادًا للمغامرة بعدم ترك أموالهم في الملاذات الآمنة واستخدام التحركات الممكنة بين مختلف الدول والمجالات من أجل حصد مكاسب سريعة، حيث إن ظاهرة "الأموال الساخنة" تزدهر في ظل الاضطرابات الاقتصادية بشكل عام، غير أن الأمر يبقى مغامرة قد يكون بها غنم ، وبالشكل العام ووفق مجريات التاريخ إن أي حرب اقتصادية غالبًا ما تنتهي إذا اشتدت حدتها الى الصدامات العسكرية مباشرة أو غير المباشرة ، في هذه الحالة سنرى أسهم شركات الأدوية ستكسب مساحات واسعة بالبورصة إضافة الى مصانع التسلح وبشكل خاص مشتقاتها التي ستعمل عليها الأموال الساخنة لأنها صفقات تجارية بامتياز غير خاضعة لرقيب كالمستلزمات للجنود من ألبسة ومعدات غير حربية وستلحقها أسعار الحديد والاسمنت وكلنا يعرف لماذا، ولكن نعود من جديد لنسأل أين الإنسان من هذا الصراع .
سمير خراط
كاتب سوري