تفاجأ كثير من السوريين بشخصية رجل الأعمال رامي مخلوف، بعد ظهوره في تسجيلين صوتيين يشرح فيهما أزمته ومعاناته، حيث لم يكونوا من قبل قد رأوه أو سمعوه، وبعيدًا عن المضمون والمحتوى، والغايات والأهداف، فقد توقف كثيرون عند طبيعة شخصيته التي بدت في مستوىً ضعيف وهزيل، لتطرح مئات الأسئلة عن قدراته الذاتية التي تمكنه إدارة كل هذه الشركات التي يملكها، والأعمال التجارية التي يستثمر فيها، والدور الذي أنيط به.؟!
كما أن انشغال السوريين في الأيام الأخيرة بما كتبه خالد العبود، عضو مجلس شعب النظام، في مقاله الذي تم تداوله على نطاق واسع (ماذا لو غضب الأسد.؟!) وتعليقاتهم عليه، والتي وصلت إلى حدود مناقشة مضامينه من شخصيات مرموقة، وذات وزن وقيمة فكرية وسياسية، وحتى اهتمام الإعلام الفضائي العربي، بما صدر عنه يطرح أسئلة عن شخصيته، هو أيضًا، والتي عرفت بالتفاهة والجنوح، وأضحكت السوريين كثيرًا، من قبل، في مناسبات كثيرة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة: أليس لدى النظام شخصيات أكثر جدية وجاذبية وإقناعًا، تقوم على خدمته في مختلف المجالات من أعمال وإعلام، وغيره، سوى هؤلاء الضعفاء والتافهين التي تطول قائمتهم من أمثال الشيخ أحمد شلاش، وشريف شحادة.؟!
بعيداً عن التفسير المباشر الذي قد يجد حجته في القول إن مثل هذه الشخصيات يسهل قيادها، وتوجيهها والسيطرة عليها، وطواعيتها العمياء، ما يمنحها الثقة لتنفيذ المطلوب منها، ووضعها في صدارة المشهد، ثمة ما نجد تفسيره في حقائق التاريخ والواقع، ووفق نظريات علم الاجتماع والنفس، التي تقول بأن النظم تختار بطانتها من نسيجها وطبيعتها ليس إلا، فنظام مافيوي_ طغياني لا يمكن أن يفرز، أو تنتج بنيته، بأفضل من هؤلاء الأمعات والفاسدين والسخفاء للتحكم بمصير الملايين من البشر.
في هذا الشأن، يجب التوقف عند شخصية المجرم الكوني بشار الأسد نفسه، التي كثيرًا ما أضحكت السوريين والعالم، من خلال حركاته وفلسفاته التي يظهر فيها على العالم كما على السوريين، متسائلين عن قدرات رجل مثله لقيادة دولة بأهمية سورية، ودورها في محيطها الإقليمي والدولي، شاءت لعنة الأقدار والصدف أن تجعله متحكمًا بمصيرهم وحاضرهم، وهو "المعتل نفسيا" بنتيجة تحليل شخصيته من أطباء ومحللين نفسانيين، نتيجة عوامل عديدة منشؤها ومردها لسنوات طفولته الأولى.!
يذكر أن الاستخبارات الاسرائيلية، قد سربت، قبل سنوات خبراً مفاده أن بشار الأسد مولع بقضاء وقته في الألعاب الالكترونية، التي تستهويه وتستحوذ على تفكيره، كأنه لم يغادر طفولته أو حتى سنوات صباه، فكيف يستقيم ذلك مع شخصية رئيس دولة أمامه من المسؤوليات والقضايا والملفات ما يشغله ليل نهار، إن لم يكن معتلًا ومريضًا.؟!
روى لي صديق كان ضمن وفد للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، قابل بشار الأسد عام 2005 إثر التداعيات التي عصفت بالمنطقة، في حينها، فقال: إنهم استمعوا إليه مطولًا، وهو يحدثهم عن الحصار الغربي على سورية في ثمانينات القرن الماضي، ومعبرًا عن استهتاره بأي حصار قادم عليها، نتيجة العقوبات التي كان يمكن أن يطالها، وهنا أسهب في الحديث عن معاناته الشخصية وحرمانه من تناول الموز الذي لم يفته أن يشرح أهميته الغذائية للصحة والفيتامينات التي يحتويها، والآثار النفسية المترتبة على ذلك الحرمان، وقال إنه كان يشاهد صور الموز ولا يتوفر له، مثل ملايين الأطفال، ما أثار مفاجأة كبرى لأعضاء الوفد، وأصبحت مادة لتندرهم وضحكهم، بمقدار استغرابهم، وفجيعة بعضهم بما سمعوه من محدثهم الذي كانوا يتصورونه شخصية كبيرة، بحجم رئيس دولة.!
إن جذر المشكلة يكمن في طبيعة النظام الاستبدادي نفسه، وفي بنيته التي لا يمكن لها أن تقدم ما هو أفضل من هذه الشخصيات، وأثمن، وأكثر قيمة.
وفي هذا الصدد، عمل النظام على سحق شخصية المواطن السوري وتشويهها، وهو الأمر الذي امتد في تأثيراته السلبية إلى المجتمع كله، خلال نصف قرن من التجهيل وعدمية الثقافة، وتعقيم الحياة العامة، من الفكر والسياسة بمعناها العام، وتزييف الوعي، ومحاولة القضاء على أي منظومة بحثية علمية لدى الأفراد كما الجماعات، ما صحَّر الحياة العامة والمجتمع السوري برمته، إلا من رحمة ربه وشب خارج نطاق هذه المنظومة، وهو تفسير ما نجده من تهافت شخصيات سورية عديدة بين الحين والآخر تقدم نفسها بديلاً للأسد، أو تطرح نفسها على السوريين لإدارة أمورهم وتولي قيادتهم.
بانتظار خلاص السوريين والانتقال إلى نظام ديمقراطي يليق بهم وبتضحياتهم، سيظل التاريخ يكرر نفسه، مرة في صورة مأساة، وأخرى في صورة ملهاة.!!
عبد الرحيم خليفة
كاتب سوري