كورونا الأسد والوعي الجمعي


 


 

بالرغم من مناشدة موسكو وبكين وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وزيمبابوي ونيكاراغوا ومعهم النظام السوري للولايات المتحدة الأميركية من أجل رفع العقوبات المفروضة على "نظام أسد" بحجة تمكينه من التصدي لجائحة كورونا (وهي حيلة لم تنطل على الأميركان لأن العقوبات لا تشمل المواد والتجهيزات الطبية والإغاثية) وقد لاحظنا بأن الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" قد عمد إلى تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام دمشق وشخصيات قيادية مهمة فيه لمدة عام آخر.

 وبالرغم من مماطلة الولايات المتحدة الأميركية التي كانت جلية و واضحة منذ انطلاق الثورة السورية وحتى يومنا هذا بشأن المحرقة السورية وعدم تنفيذ وعودها المتكررة ولا تصريحاتها "النارية" التي أطلقتها منذ السنوات الأولى للثورة بأن الأسد فقد شرعيته، وبالرغم من منعها وصول الأسلحة النوعية ومضادات الطيران ومضادات الدروع المحمولة على الكتف للثوار وخاصة في سنوات الثورة الأولى، وتراجعها عن تهديداتها غير مرة، ما كان يعكس عدم وجود رغبة حقيقية وجادة حينها من قبل الأميركان في استبدال أداتهم، إلا أن الثابت والمؤكد هو أن هذا "النظام الغبي" قد أتعبهم اليوم وأحرجهم بعد أن نفّذ ما طُلب منه -بل وأكثر- من تدمير سورية ورهن ما تبقى منها وتهجير الملايين من شعبها، إلى درجة أذهلت العالم وكشفت سوءات معظم الدول التي كانت تتشدق بالديمقراطية وحقوق الحيوان والنبات والإنسان والحفاظ على البيئة .!!، بينما صمَتَت صمت القبور عن الذي جرى ويجري في سورية من انتهاكات وتدمير وتهجير وتغييب للمعتقلين وتصفية للمساجين بعد تعذيبهم والتنكيل بهم، وقد بات من الضروري بالنسبة للذراع التي أرست و ثبّتت وعيّنت "بشار أسد" خلفاً لأبيه الذي تم تعيينه من قبله ورغم أنف السوريين أن تستبدله بموظف جديد يحمل ملفاً فارغاً خالياً من الجرائم والانتهاكات ليشكل الأداة المناسبة لتسيير شؤونهم وتلبية أوامرهم ومتابعة تمرير مشاريعهم التي طُبخت وأعدت في دهاليزهم القذرة، تلك المشاريع التي لم تعد سرية بالمطلق، بل تحول أسلوب تنفيذها من (الكلاسيكي السري التقليدي) إلى العلنيّ، والإفصاح عنها وعن شخصيات أدواتهم الوظيفية في المنطقة. لكن مهمتهم اليوم في تعيين موظف جديد لهم في سورية باتت أكثر تعقيداً وصعوبة من ذي قبل، خاصة بعد أن انكشفت ألاعيبهم وأساليبهم وبعد أن نضج الوعي السياسي لدى غالبية السوريين الذين أَخضعتهم ظروف ثورتهم لدورات ومناهج وتجارب ومحاضرات ودروس تؤهل غالبية المهتمين منهم لنيل شهادات عليا في التكتيك السياسي والعسكري والاستراتيجي، ومهدت الطريق أمام نسبة كبيرة منهم لإدراك الوعي الجمعي الذي يحصنهم، فمتى ما تحصّن المجتمع بثقافة ومستوى عالٍ من الفهم والإدراك والموازنة والتحليل السليم، وتقديم القيِّم وتأخير الرديء، هنا يكون المجتمع في مأمن من أي عدوى قد تصيب وعيه أو تُشتّته أو تؤثر فيه على المدى المستقبلي.

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري



 

Whatsapp