هل أنت صحفي سوري أو مهتم بالشأن السوري؟، تحيّة دون مناسبة.
أنا في حالة استنفار دائم، لا الليل ليل ولا النهار نهار، مطلوب مني إما أن أتبلّد، وأغدو آلة تتعامل مع الأخبار كأنها لا تعني أهلي أو ناسي أو جغرافيتي أو تاريخي.
أو أن أحترق وهذا ما أقوم به يومياً!
مطلوبٌ مني أن أكون أباً وأن أكون أماً وأن أكون حبيبة أو حبيباً بمشاعر كاملة، بكل واجباتي ومتابعاتي، في اختيار باقة الورد واللباس والطعام والذهاب والإياب والمشاوير لمن أحب، أو لمن أعيش معهم!
مطلوبٌ مني أن أحزم حقائب عملي بعد نهاية الدوام، أن أفلتر رأسي عن كل ما يشغلني، لا أن البس وجهاً آخر!
أما إن بقيت في وجهي الذي يشغلني: وجه العمل، فلن يتقبلني أحد بمن فيهم من أحب!
أتشاطرُ سندويشة مع زميل عمل، أو أشرب فنجان قهوة، بل قد أجلس أمام المرآة لأتفقّد ملامحي!
أفرحُ لزميل حقق نجاحاً أو فاز بجائزة أو حقق برنامجه مشاهدات أكثر أو أصدر ديوان شعر أو رواية أو مجموعة قصصية!
أحدّث حبيبي عن شغفي بالعمل وأهمية العمل الصحفي في كشف الحقيقة!
تلك الحقيقة التي دوختني وأنا أبحث عنها!
لا هي كانت تأتي ولا أنا بفاقد الأمل منها! الحقيقة التي لها وجوه وصيغ ما إن أتوهم أنني أمسكت بها حتى تفرّ من يدي!
أهوّن على نفسي المصاعب، وأقارن نفسي بآخرين تتحمل حياتهم صعوبات أكبر من صعوباتي!
أقطف فرح التفاصيل: زملائي حبّابون، مديرنا طيب، لا أحد يتدخل في رؤية الحدث عندنا، لي الحرية بممارسة قناعاتي الصحفية التي تعلمتها، ثمة تفاعل كبير من المشاهدين أو القراء أو المستمعين، عرفني العمل على ناس لديهم مستوى إنساني عال!
أبتعد عن قلق بقاء الجهة التي أعمل بها مفتوحة الأبواب، أو رحيل مفاجئ للموّل، أو إنهاء عقود لا يخطر ببال بشر!
بنيتُ تجربةً، إخلاصي جعلني رقماً صعباً في هذه المنصة، مهنيتي صارت موضع استشهاد زملاء، لستُ بالمرتزق الذي يبدّل وجهه، ولست بالذليل الذي يبيع قناعته، قد أكون مجاملاً لكن المجاملة نوع من أنواع الذكاء الاجتماعي!
أحاول أن أنسى لا لأتبلّد بل كي أستمر، لذلك يجب أن أحبس دموعي وأنا أقدم فقرة عن امرأة بلا مأوى تشبه وجه أمي!
أتمنى لذلك الطفل الذي بلا خيمة مستقبلاً أفضل مع أنني أعلم أن لا مستقبل أمامه سوى الطين!
ابحث عن أمل في مؤتمرات وزيارات لم تجلب لنا إلا البلاء، أقلّب وجهات النظر في هذا التصريح أو ذاك!، أجعل من ألاعيب النظام مادة للسخرية، ومدخلاً لكشف ألاعيبه على أمل مجيء عدالة لستُ واثقاً بمجيئها!
نبحث عن فرح في نجاحات لاجئين أو حياة اجتماعية جديدة، وأنا أعلم أن معظم من نتحدث عنهم، لو عاد الوطن سالماً لعادوا إليه بأقصى سرعة!
أنا ذلك الصحفي السوري أو المحترق بالخبر السوري تسع سنوات وأنا أنقّب عن الأمل! أقلّب أوجه القول والفكر!
أنا الصحفي السوري كم أتمنى أن أقضي يوماً واحداً فحسب بلا احتراق!
يومٌ واحد بلا قتل أو تهجير أو اغتصاب أو خيم أو تشكيك!
ليس رغبة مني لكي أستريح فقد أدمنني الوجع والألم!
بل حتى أستمر فحسب بأوكسجين الراحة ولو ليوم واحد!
د. أحمد جاسم الحسين
أكاديمي وكاتب سوري