كانت تتحدث دون أن تأخذ نفساً، وتكرر انطفأت روحي، كنت مستمعة فقط، دقات قلبها أعلى من صوتها مما جعلني لا أفهم معظم ما تقوله، استرسلت، الآن أعيد ترتيب الأشياء في داخلي، لما أنا هنا الآن وفي هذا المكان، ومن هذا؟ سنوات وأنا أبحث عن حضن دافئ قريب لحضن أمي، وعشرة دائمة وأمان واستقرار، أتخيل جبلاً شامخاً استند إليه ولا تهزه نوائب الزمن، إخلاص وتضحية وبلسم يداوي جراحات الزمن، عن مرآة لروحي العذبة البسيطة المسالمة، لما يكره العالم نقاء الروح وكأنها في عالم الخيال، أبحث عن جليد لقلبي كي لا يمر عليه الشرر، أريده نقياً كما هو، كلمات جارحة توقف الأنفاس وترنح هذا القلب الجميل، وكان بالإمكان أن يبقى سيد هذا القلب ونبضه، سكتت!!! وما زلت أسمع دقات قلبها، تكمل بصوت متهدج، كنت أخاف الحشرات والحيوانات أختبئ خلفه إن مرت قطة الجيران، وإن لمحت صرصاراً لذت بأحضانه ألتمس الأمان، أما صوت الرعد كان يجبرني أن أمسك به بكلتا يدي وأدفن رأسي تحت زنديه، كنت أرى في عيونه السعادة لتلك التصرفات وكيف كان يغمز أحياناً لابنة الجيران بأن تحضر قطتها وتضعها أمام باب الدار.
جميلة تلك الأحداث، وهل ستستمر؟ تركني ليسافر برحلة سياحة رجوته البقاء فأنا مريضة وبحاجته، أبى فمساعدته في العمل ستكون معه، عانيت أكثر لسببين مرضي وعدم تواجده، عاد وكنت قد تماثلت للشفاء، تحدث مطولاً وأراني صوره مع الحسناوات، قلت له أنه وسيم جداً في كل الصور، غضب من عدم غضبي وأضاف هناك شيء حدث في غيابي، وأضاف من هذا الذي جعلك لا تكترثين ، لم أرد بكلمة واحدة بل أنجزت أعمال البيت بصمت وكل إتقان، وتوالت الأيام وبينما نرتشف القهوة في الحديقة مر صرصار فأمسكته بمنديل وعدت لشرب قهوتي، فتح عينيه ولم يصدق، حاول بعدها أن يومئ لابنة الجيران بأن تحضر قطتها، لكنها مرت بجانبي وأنا جالسة بسلام، لا تحاول لو أحضرت نمراً فلن أرتمي مجدداً بأحضانك، وكل حشرات الدنيا أرحم مما قلته، (لقد انطفأت الروح)، لا تطفئوا أرواحنا لمجرد كلمات، عندما يتصدع القلب لن يعود كما كان، أنا متابعة واستمع وأحاول جاهدة آلا أصدر أي ضجيج أو كلام، أريد نهاية لتلك المأساة، كيف يستطيع المرء أن يلقي بكلمات دون أن يعرف ما وقعها على هذا القلب الصغير، لا تريد شيئاً من هذه الحياة إلا الأمان والثقة والاحترام، وإن كان هناك حب فهذا يعني قمة السعادة التي ستخفيها خوفاً من عيون الحساد، لا تقلبوا حياتكم فقط لإرضاء أنفسكم دون وضع اعتبارات لتلك الإنسانة التي تطلب أقل شيء في هذه الحياة، سمعت نشيجاً مكبوتاً، وانصت جيداً دون أن أصدر أي حراك أريدها أن تكمل :كيف سارت الأيام؟ بعد أه طويلة أكملت، كبرنا إلى درجة لم نعد نتذكر معظم الأحداث، ولم أعد قادرة على المجادلة بعد أن كنت أقيم الدنيا وأقعدها لمجرد أنه تأخر قليلاً في قتل الصرصار، أو أنه لم يضمني بقوة عندما أرعدت الدنيا في نيسان، يا ليته لم يوجه لي تلك الكلمات ربما كنا إلى الآن نستند على بعضنا ونتجاوز كل الأزمات، مرت الأيام وأنا صامتة، ما أقسى الصمت بعد الحياة.