علاقاتٌ مريبة بين "فاغّنر" الروسية الممولة خليجياً ودورها بتجنيد شباب سوري من بعض العشائر تحت سلطة ميليشيا " قسد" الإرهابية، الممتدة من المالكية حتى الرقة، التي تستغل حاجتهم للمال تحت ضغط ضائقة اقتصادية قاتلة سبّبها حليفهم بشار الكيماوي والميليشيا الطائفية المرافقة، لإرسال المؤهل منهم لقاعدة حميميم المحتلة ومن ثم إلى عميلهم "حفّتر" في ليبيا، وتأهيل عديم الخبرة بدورات على أيدي ميليشيا إيران ليكون جاهزًا لمواجهة أحرار وثوار سورية.. كيف ذلك ودول الخليج في الوقت نفسه تزعم رفضها لتمدد وجرائم إيران وميليشياتها في المنطقة العربية؟
لقد خرجت شعوب أميركا، بوجود جائحة "كورونا"، بمظاهرات ملأت الشوارع ضد مقتل أحد الأميركيين الملونين بمواجهته للشرطة، فكانت رأفة قلوب، بل نفاق، حكومات وشعوب أوربية لم تحتمل حادثة قتل واحدة في أميركا ضد ملون، زعمت أن تلك الحادثة عنصرية، في الوقت الذي لم يُحرك لديها، على مدى تسع سنوات، كل هذا الكم من القتلى والجرائم التي قام بها ضد شعبنا السوري نظام الجريمة والفساد في سورية وداعميه "الروس والإيرانيين وميليشياتهم"، كما تحركت هذه الأيام دعماً لمواجهة تلكم العنصرية المزعومة. فأين ديمقراطيتهم وحداثتهم ومواجهتهم للعنصرية والجريمة والإرهاب الأسدي الطائفي؟ إنها العنصرية والنفاق بعينه!
لا همَ للكثيرين ممن تصدر المشهد وادعى المعارضة إلا توجيه التهم الزائفة لكل من تصدى لمهمات التغيير الوطني الديمقراطي منذ الستينات والسبعينات بظل القمع والاستبداد المديد، فقط كي يُبرؤوا أنفسهم ويُعفوها من النقد الجدي البناء من خلال مراجعة تتحمل فيها تسهيل كل مبررات السحل والقهر الذي مارسه نظام القتل والجريمة في سورية منذ الستينات وحتى انطلاق الثورة في 2011، الثورة الكاشفة أولاً لمقولاتهم الإسلامية التحريفية وأجنداتهم الماورائية الخارجية وثانياً لدورهم بتجهيل المجتمع والذهاب به لخدمة خطاب غير وطني أرادوا من خلاله الهروب لملاقاة أوهامهم في أفغانستان خدمة لمشاريع كونية أميركية وأموال خليجية استعبدتهم ووظفتهم، ومقولاتهم معاً، ضد تقدم وتحرر شعبنا وأمتنا العربية.
فهل يعرف مواطننا السوري واقع ثورته؟ وإرهاصات الوصول إليها؟ وما هي إخفاقاتها وانتصاراتها؟ أين تقدمت؟ وأين تراجعت؟ وما هي الحلول العملية للخروج من هذه الحروب الرهيبة التي يشنها علينا ساديٌ مجرم لم يعرف التاريخ مثله إلا قليلاً متحالفٌ مع كل طغم الفساد والإرهاب العربي والدولي؟ هذا ما يتحتم علينا وضعه في تصورنا عن ثورتنا التي تقاوم لتنتصر، هذا النصر لن يتم إلا بتحقيق أسبابه ومقوماته، وتقديم سبل الصمود والانتصار، وطرد أوهام أريد لها أن تعشش في ذاكرتنا عن غربٍ يدعم حركات التحرر والديمقراطية والثورات السلمية ويقف في وجه الإرهاب والقتل المنظم، هذا النصر الذي يجب أن نعمل عليه لا يتأتى إلا بوحدة جميع القوى حول برنامج وطني واسع وعريض بين قوى الثورة وتمكين شعبنا في الداخل والخارج من الصمود وتقديم العون المادي والمعنوي لأهلنا في الداخل، خاصة في مناطق الحرب والتماس ونازحي الداخل والاهتمام بمسألة التعليم بكافة أشكاله ومراحله وإعطاء الجرحى والمُعاقين وأسر الشهداء اهتماماً خاصاً يليق بما قدموه لشعبنا وثورتنا. فهل نستطيع ذلك مع انطلاق قانون قيصر الأميركي ومقصلته ضد نظام الجريمة الفئوي الأسدي وداعميه؟ وهل أدركنا جميعاً حجم الكارثة التي سيعكسها على شعبنا في الداخل ومدتها قبل التخلص من آل أسد وداعميهم؟ ألم يكن على رأس داعمي آل أسد على مدى عقود كل الإدارات الأميركية المتعاقبة المتواطئة معهم بانفصال1961؟ وكارثة حزيران 1967؟ وضرب المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية بعد حربٍ تحريكية في 1973 مواكبةً للدفع بمرتزقة مدعومة خليجياً ذهبت إلى بيشاور؟ وهل نسينا اتفاق حافظ – مورفي المشؤوم ودخول يد الغدر الأسدية إلى لبنان، تتويجاً لحروبهم المشتركة لصالح الكيان الصهيوني على مدى 30 عاماً، تخللها إطفاء شرارة التغيير الوطني الديمقراطي في آذار/مارس 1980، واتخاذها ذريعة لحرق وإبادة حماة، بشراً وحجراً، هذه الذريعة المبّيتة منذ 1964 حين أيقظوا غول الإرهاب الذي صنعوه وتلطوا خلفه حتى الآن؟
أين كان شخوص الائتلاف طيلة خمس سنوات مضت، ومعه كل شلل المعارضة، عندما بادرت مجموعة من الوطنيين السوريين إلى إيصال قيصر للولايات المتحدة الأميركية؟ حين بدأوا بمتابعة تفاصيل المعركة من جميع جوانبها، حتى أبصر قانون قيصر النور، فلم يبخلوا بشيء حتى في الجانب المادي والذي كلف الكثير، ومن لديه اطلاع ومعرفة على مجريات التشريع الأميركي، يدرك ذلك، خاصة فيما يتعلق بآلية لقاء الشخصيات المهمة وكم يتطلب ذلك من مبالغ مالية، إذ أن كل ما فعله قيصر ومعه سامي عندما أتيحت لهما الفرصة، أنهما عريا وفضحا نظاماً مجرماً وعالماً داعراً وكل من حاول ابتزازهما من أعضاء ما يسمى بالائتلاف الذي بدل أن يذهب إلى مكاشفة الشعب السوري الحر، عبر محاسبة من أشار إليهما قيصر وسامي والمساهمة بألا يكون القانون ضبابياً فيما يتعلق بنصوصه التفصيلية المُحّكمة، التي لم تترك متنفساً، لا لسلطة استبداد وجريمة ورجالاتهم فقط، بل وللاقتصاد الوطني السوري ككل، وكذلك للحاجات الاستهلاكية وحتى الدوائية! وأنه استثنى الحاجات الضرورية الحياتية للمواطنين من الخضوع للعقوبات والقيود، بينما ركز بشكل بالغ الدقة على محاصرة المؤسسات والأشخاص الموسومين بارتكاب الجرائم ضد الانسانية، مع كل من يدعمهم، بأي شكل، في كل حركاتهم، من سوريين وغير سوريين.
لكن المشكلة ليست في النصوص، بل بآثارها التطبيقية، وحتى بعد سقوط أو تغيير النظام.. فأين دور الائتلاف في المسائل الاستراتيجية منه؟ وأية مسائل استراتيجية في قانون قيصر القابض على كل شيء؟
فهل سيُسّقط قانون قيصر وعقوباته النظام المجرم؟ أم سيتسبب فقط بمزيد من الإفقار لعامة الشعب والتضييق على المواطنين في كل شؤونهم الحياتية بإعطاء الحجج للمجرمين من سدنة الاستبداد وأدواته بالتشدد عليهم؟ وهل فرص الإفلات من العقوبة وشباك العدالة معدومة أم متروكة للصدفة؟
جميع أعضاء مجلس الأمن، بعد احتلالهم المشترك لسورية، نجدهم صامتين عن سرقة النفط والغاز السوري، إرضاءً، وبالمقايضة، لعضو واحد من بينهم يقوم بهذه السرقة وهو الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تترك لزبانيتها المحليين، الذين يشتغلون حراساً لها، فتاتاً من هذه الثروة، دون أن يهتم أحدٌ بتأمين الشعب السوري لحاجاته الأساسية من المواد الغذائية والحاجات المنزلية والوقود والدواء التي تقيه من الموت جوعاً، فلماذا لم يخطر ببال واضعي نص قانون سيزر الأميركي إجراءً يحمي المواطنين السوريين ويعكس عائدات النفط والاقتصاد عليهم وحدهم، ويحول دون بقاء القانون سيفاً مسلطاً وعصا مرفوعة للابتزاز عند الحاجة، حتى لو سقط النظام الفاشي؟
والأهم من النصوص، التطبيق والآثار الفعلية على الأرض وعلى مستقبل الدولة والمجتمع ومستقبل الأبناء، بل والنوايا المختبئة خلف النصوص البراقة للقانون. فلماذا لم يصدر هذا القانون منذ أربع سنوات أو خلالها، مثلاً، وهم شاهدوا بالصورة والألوان كل جرائم نظام القتل والجريمة في سورية بل يعرفوها منذ انقلابه الأول؟ أم أن الهدف هو تسويغ الاحتلال الأميركي للجزيرة السورية، أرض النفط والغاز والثروات الزراعية اللازمة للشعب السوري؟ فلن تتضرر منه السلطة التي يتفاخر القانون بأنه سيخنقها به! فكل الخشية أن لا تُقطع أيادي ناهبي وسارقي قوت الشعب وثرواته من أركان نظام الاستبداد المجرم وألا تعود المسروقات التي نُهبت وعائداتها لأصحابها، والخشية أيضاً قدوم بدائل للنظام في حال سقوطه من شركائه المُجهزين، لأن الضرر واقع، واقع، على الشعب الجائع وعلى مستقبل سورية ووحدة أراضيها.
فمع ارتفاع وتيرة المجاعة وانخفاض سعر صرف الليرة لدرجة مخيفة وخطيرة وصلت إلى حائط 3500 ليرة للدولار الواحد والتباشير بتحليقه أكثر بكثير، خرج المئات في عدة مناطق سورية تحت سلطة النظام المجرم وفي الشمال السوري أيضاً، بمظاهرات تؤكد على محاربة نهبهم وفسادهم جميعاً ’’ النظام وميليشياته وأرباب الفصائل الائتلافية‘‘، هذه المظاهرات التي عمت ومازالت أربع أرجاء سورية.
فقد شهد الجنوب السوري خاصة، في الأسبوع الأول من هذا الشهر، حراكاً شعبياً لافتاً ضد النظام، في خطوة مشجعة تستعيد نبض الأيام الأولى للثورة السورية؛ فخرجت مظاهرات في مدينة السويداء ومناطق من ريف درعا وريف دمشق، حمّلت من خلالها سلطات الأمر الواقع المسؤولية عن تردي الأوضاع المعيشية، وطالبت برحيل النظام الطائفي المجرم ورأسه وخروج القوات الأجنبية من البلاد خاصة الروسية والإيرانية الاجراميتين وميليشياتهم، فللمرة الأولى منذ سنوات، تُصعّد مدينة السويداء من لهجتها الاحتجاجية، وتعود مجدداً الأصوات المطالبة برحيل النظام، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتدهور. هذا وقانون قيصر لم يُفعل بعد! فلا بد من دفع الثمن كبيراً وغالياً لتحرير سورية من احتلالاتها وأولهم احتلال آل أسد والتي كانت سياساتهم الاستبدادية الإجرامية العنيفة منذ حوالي 60 عام هي السبب الرئيسي للثورة وفي كل ما وصلنا إليه.
عبد الباسط حمودة
كاتب سوري