جنون الدولار قبل الحصار هل يعجل الانهيار


ما جرى مؤخراً من انخفاض كبير لسعر الليرة السورية حتى تضاعفت قيمة صرف الدولار تقريباً حيث أنهى عام 2019م بسعر 995 ل.س ليصل مؤخراً إلى 2600 ل.س وكل المؤشرات تشير إلى استمرار هذا الارتفاع رغم الانخفاض الذي يشهده الآن وهذا لا يشير إلى تعافي الليرة أو تحسن الاقتصاد بل هو تأرجح نشهده عادة عندما تنخفض قيمة الليرة حيث تقفز قفزات جنونية تعود للهبوط بعدها ببطء لتستقر على ارتفاع لا يقل عن نصف قيمة أعلى صرف لها ثم تعود مرتفعة إلى الرقم الذي وصلت إليه لتعود إلى قفزة جنونية أخرى بدون ضابط.

لست بصدد دراسة هذا لأنه يحتاج إلى متخصصين اقتصاديين رغم  أن ما يحدث لا يخضع لأي منطق أو ضوابط اقتصادية وذلك لعدة أسباب منها أن الاقتصاد السوري قبل الثورة لم يكن شفافاً وقائماً على الوضوح ليستطيع المحللون مراقبته وتحليل ما يحدث فيه فهو اقتصاد مبني على اللصوصية وتحكم المافيات التابعة للنظام وللعائلة الحاكمة وقرار الحاكم أو أحد الرجال المتنفذين أو توقيعه أقوى من كل النظم والقوانين ولعلنا كلنا نتذكر أن النفط وما يدره من أموال على سورية بقي لسنين طويلة خارج الميزانية وكما كان يعبر عن ذلك المسؤولين بمقولة رئيس مجلس الشعب آنذاك عبد القادر قدورة أن النفط بأيدي أمينة، وذلك جواباً لعضو مجلس شعب سأل عنه وعن أمواله وبذلك كرر قدورة ما قاله حافظ اﻷسد لتصبح هذه المقولة جواباً جاهزاً  لكل من يسأل عن أموال النفط وهذا يكفي لإسكاته فوراً لأن عدم سكوته سيؤدي إلى مالا تحمد عقباه بالنسبة له كذلك أصبحت مقولة تهكم يستخدمها السوريون بطريقة غير مباشرة عندما يدور أي حديث عن النفط ليتوقف الكلام.

عليه نستطيع أن نفهم الطريقة التي كان يدار بها الاقتصاد السوري الذي يعتبر من أغرب أنظمة العالم حتى ضريبياً إذ أن شريحة الموظفين ذوي الدخل المحدود يدفعون ضرائب أكثر من تجار وأطباء وأصحاب أعمال حرة مداخيلهم اليومية تعادل راتب الموظف الشهري على الأقل إن لم تكن أضعاف ذلك الراتب.

ونريد هنا أن نتحدث عن جنون الدولار وهل يعجل بالانهيار قبل أن يبدأ تطبيق الحصار وأسباب هذا الارتفاع؟ وتداعياته على كل السوريين. حيث من أهم أسباب ما يحصل بهذا الصدد:

1-التوقف شبه التام للتجارة العالمية بسبب كورونا وخلو المصرف المركزي من أي عملات صعبة وعدم قدرة النظام على المناورة هنا وهناك لجلب الأموال عن طريق التجارة بالمخدرات وغسيل الأموال وقد شاهدنا مصادرة شحنات منها مؤخراً في كل من الإمارات ومصر والسعودية.

2- عدم قدرة إيران على الوفاء بالتزاماتها المالية في مساعدة النظام نتيجة لتوقف عجلة الاقتصاد فيها بسبب الوباء والعقوبات المفروضة عليها التي أنهكتها.

3- مطالبة الروس بمدفوعات مستحقة وعدم قدرة النظام على دفعها وبيعه كل ما في سوريا لروسيا وإيران وتندرج هذه المطالبة ضمن التنافس الروسي الإيراني في السيطرة على مقدرات الاقتصاد السوري وخاصة بعد دخول إيران إلى المنافسة في مجال النفط المرهون في أغلب حقوله التي تقع تحت سيطرة النظام للروس وخصوصاً غاز المنطقة الوسطى وحق التنقيب عنه في البحر الأبيض المتوسط.

4- العقوبات على أغلب المافيات التجارية مما جعل بعضها تقوم باستبدال أموالها بالدولار من أجل تهريبه إلى الخارج خاصة مع تأكدها أن العقوبات قادمة وتطبيق قيصر سيبدأ لذلك أغرقت السوق بالمعروض من الليرات السورية.

5- التجاذب والصراع بين المافيات في ظل غياب للنظام وهو ما شهدناه في صراع مخلوف مع آخر غير واضح إلا بالترميز وهو زوجة رئيس النظام ومن معها التي تحاول أن تجني أكبر قدر من الأموال لأنها كذلك اقتنعت باقتراب النهاية.

لكل هذه الأسباب ولأسباب أخرى حصل جنون الأسعار الذي طالت مفاعيله كل الشعب السوري دون استثناء الموالين والمعارضين فإذا تجاوزنا المعارضين لأنهم أصلاً يعملون لإسقاط النظام ولهذا لا نضيف جديداً إذا تحدثنا عما يقولونه وما يهمنا في هذا الصدد هو ما قاله الموالون وما سيفعلونه تجاه ما حدث لهم لأنهم في غالبيتهم العظمى من الموظفين ذوي الدخل المحدود في ظل سيطرة جزء بسيط من المافيات من العائلة الحاكمة والتجار التابعين والضباط اللصوص الذين أثروا عبر الأتاوات والرشى والتعفيش. 

بدأ الموالون جداً بالحديث عن الوضع المذري الذي وصلت إليه أوضاعهم، لتأتي المفاجأة على لسان عبد المسيح الشامي البوق الإعلامي الذي كان مدافعًا شرساً عن النظام عندما قال على قناة الجزيرة مؤخراً في برنامج اتجاه المعاكس: (في ظل الصراع القائم على اقتسام وسرقة أموال سورية: أعتقد أننا ذاهبون إلى الهاوية) وأضاف الشامي :(أن سورية اليوم بحاجة إلى عهد جديد بمنظومة سلطة جديدة. لا أعتقد أن النظام الحالي مخول أو جدير بإدارة سورية أو حتى أن يكون جزءاً من مستقبلها). ليرد عليه مقدم البرنامج فيصل القاسم بقوله: (عبد المسيح الشامي بعد تسع سنوات يقول فليسقط النظام باختصار شديد). ثم يؤكد ما قاله في البرنامج عبر منشور على صفحته في الفيسبوك.

التصريحات كثيرة للمشاهير وكبار الموالين الذين كانوا رموزاً للتشبيح نتيجة الوضع المتردي في سورية وإلى أين أوصلها النظام بغض النظر عن أنها خجولة أحيانا أو عن كونها حقيقية أو للنأي بالنفس والابتعاد عن النظام فإن ذلك يعني أن هؤلاء الموالون بدأوا بالقفز من السفينة التي توشك على الغرق وإذا كان هذا لسان حال هؤلاء فما الذي يقوله الفقراء من الموظفين وصغار الكسبة والعمال الموالين الذين لا يملكون ثمن الخبز في ظل تصنيف سورية من أكثر دول العالم فقرًا فقد حصلت على المركز الأول عالمياً حيث يعيش حوالي 85% من سكانها تحت خط الفقر .

كل المؤشرات توحي بأن الانهيار الاقتصادي مستمر خصوصاً أن قانون قيصر سيبدأ تنفيذه في منتصف الشهر القادم مما يعني أن السوريون مقبلون على مزيد من الفقر والحاجة هذا ما ينبيء بأن الثورة القادمة ستكون ثورة جياع للموالين بعد ثورة الكرامة التي قام بها المعارضون فهل سيسقط الجياع النظام خدمة للمعارضة وللتخلص من الوضع القائم هذا ما ننتظره في ظل عدم قيام دول العالم بالضغط لتغيير النظام وتطبيق القرارات الدولية الخاصة.

 

 صفا عبد التركي 

كاتبة سورية

 

 

Whatsapp