في بيان مما سمي (بالاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سورية) حول ما تداعى له بعض الشخصيات في شرق الفرات الذين أعلنوا موقفاً من ماتسرب من توافقات عن الحوار الكردي - الكردي، وصف الصحفيون موقعي بيان (الكراهية) بأنهم يكشفون عن حقدهم على حضور شخصية الكُردي فوق تراب وطنه وبهذا يشتركون مع سياسات النظام.
ويؤكد الصحفيون أن الموقف الكردي والحوار الكردي-الكردي لا يتهيّب منه إلا مَنْ له أجندات تصبّ في طاحونة مَنْ سعوا ويسعون لاجتثاث الكُرد من وطنهم، ولكنه في إلتفاتت غريبة يوصفون الحوار الكُردي- الكُردي بأنه شأن كُردي صرف وعلى جميع القوى الوطنية والنخب الشريفة مساندته. ويتابع التأكيد بأن هناك خريطة لكُردستان الكبرى، وأنّ هناك جزءاً منها ضمن الخريطة السورية.
كان القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، قد أعلن عن بدء المرحلة الثانية من الحوار الكردي- الكردي بعد "نجاح" المرحلة الأولى من الحوار الذي يبدو أن هناك دفعاً أميركياً من أجل إنجاحه ما بين أحزاب "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سورية، وفي مقدمتها "الاتحاد الديمقراطي"، وبين أحزاب المجلس الوطني الكردي، المدعوم من قيادة إقليم كردستان العراق. ويتلخص المسعى الأميركي في محاولة لإيجاد جسم سياسي، تمثيلي، موحد للقوى والأحزاب الكردية، يمكنه تمثيل أكراد سورية في أي مفاوضات أو تسويات سياسية مقبلة في سورية.
ويلاحظ أن هنالك حرصاً أميركياً على إنجاح الحوار وتوسيعه، والمراهنة تكمن على مقدرة الأميركيين لتفكيك العلاقات العضوية الشمولية بين حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، ولو جزئياً، ليحظى الأول بشيءٍ من الاستقلالية النسبية، ويستعد للتحول فعلياً، ولو تدريجياً، إلى حزب كردي سوري، يأخذ مصلحة كرد سورية ضمن الإطار الوطني السوري بالاعتبار. ونحن هنا لا ننكر وجود نزوع لدى كوادر عديدة ضمن حزب الاتحاد الديمقراطي نحو تحقيق أمرٍ من هذا القبيل، ولكن التجارب الماضية تؤكد أن الحزب الأم مستعدٌّ للإقدام على أي خطوة من أجل منع حصوله.
تضمن الإتفاق التوصل لرؤية سياسية من خمسة نقاط، بينها أن «سورية دولة ذات سيادة، يكون نظام حكمها اتحادي فيديرالي يضمن حقوق جميع المكونات»، واعتبار «الكُرد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة في حل قضيتهم القومية». و«الإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة، وفق العهود والمواثيق الدولية»، و«تشكيل مرجعية كردية تمثل جميع الأحزاب والتيارات السياسية وممثلي المجتمع الكردي بسورية». وكانت النقاط الخلافية تتمحور حول تبعية «حزب الاتحاد» السوري لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي، وضرورة فك ارتباطه من أجنداته الخارجية. وضرورة إنضمام قوات «بيشمركة روج أفا» التابعة للمجلس الموجودة في إقليم كردستان إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية الجناح العسكرية لحزب الاتحاد المسيطرة على المنطقة. ورحلت نقطة خلافية ثالثة للجولة الثانية، والتي تركزت حول مصير الإدارة الذاتية المُعلنة منذ سنة 2014 من طرف واحد.
ويمكن تقييم ماجرى أنه يتجاهل التضحيات التي قدمت من أجل الوصول إلى دولة ديمقراطية، تبنى على المواطنة المتساوية، ويمثل إستغلال اللحظة الراهنة لعقد تفاهمات منفردة على مستقبل البلاد. كما أن هذه التفاهمات تتعرض لقضايا مصيرية، تهدد وجود باقي مكونات المنطقة، وأمنهم، وعيشهم المشترك. فقوى الأمر الواقع في شرق الفرات والذي لا يخفى إرتباطها العضوي مع حزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب، ومن سلوكها الممنهج في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين، مما يوجب حماية المنطقة الشرقية من المشاريع الضيقة؛ فالجزيرة كانت وستبقى أرضاً سورية لجميع السوريين، أثْرت العالم بحضاراتها القديمة وخصبها المتجدد، ونسيج أهلها المتنوع. مما يحتم على الأحزاب الكردية السورية، النظر في مواقفها السياسية وتحالفاتها الخارجية وأن تعمل على بلورة الشخصية الكردية السورية، ورسم المشروع الوطني.
فترتيب البيت الداخلي الكردي السوري هو خطوة مهمة للنهوض بحوار وطني بين كافة التعبيرات السياسية في المنطقة في حال هدف لتشكيل نواة صلبة لمشروع وطني يحقق تطلعات الشعب السوري في الخلاص من الاستبداد والدكتاتورية وبناء النظام الديمقراطي ودولة المواطنة القائمة على قيم الحداثة وحقوق الانسان. وليس إبقاء الإدارة الذاتية (لشمالي وشرقي سورية) كحالة أمر واقع، من أجل تطويرها إلى فيدرالية أو حكم ذاتي يهدد وحدة سورية. مما يضرب بعرض الحائط مصالح الشعب السوري، وتهدد بشكل خاص وجود بقية مكونات المنطقة وأمنهم وعيشهم المشترك.
علماً بأن ما يقرّب الطرفين الكرديين ربما هو المشروع الفدرالي في سورية، لكن المرجع الحقيقي هنا سيكون تفاهم القوى الإقليمية المعنية مباشرة بالملف السوري بشأن شكل الخريطة السياسية والدستورية لسورية المستقبل. وإن كان المراد من الجلسات الكردية-الكردية هو التمهيد للانتقال بالملف السوري من الحروب بالوكالة إلى التفويض بصناعة السلام، فإن الاختبار الأول سيكون معرفة مدى استعداد "قسد" للقطيعة مع حزب العمال الكردستاني، والالتزام بالثورة في سورية، وتسهيل عودة بقية القوى السياسية لممارسة نشاطاتها في شرق الفرات.
في الخلاصة فإن المخرج الوطني الحقيقي هو في إفساح المجال أمام الحراك السياسي لجميع أبناء المنطقة، وإشراكهم سياسياً وإدارياً في شؤونها، ولا يتم ذلك عبر وساطات ومفاوضات لا يحتاج إليها من يملك القدرة والرغبة الفعلية في العمل. لا بد أن يكون ذلك تحصيل حاصلِ عملية سياسية ومعرفية أصيلة ومستمرة، تسعى أولاً إلى عقلنة الفضاء العام، وتهيئته سياسياً، ليكون قادراً على استيعاب كل الأصوات. وعلى الكرد أن يدركوا أن تقديم كرديّتهم على سوريّتهم لن ينقذهم من سرابية رؤيتهم، أي أن الحلّ القومي (المزعوم) لا يمكن أن يكون مرحلة للحل الوطني، بل يؤدي إلى طريقٍ، آخرُ محطاته محاصصة إثنية، تقصم ظهر سورية التي نعرفها، ولا تُنتج إلا مستقبلًا مؤقّتًا أعرج، تغيب عن إطاره الوطنية السورية، وتختفي من مضمونه الديمقراطية والمواطنة.
د.م. محمد مروان الخطيب
كاتب وباحث سوري