مع قرب دخول قانون قيصر حيز التنفيذ تنشط الآلة الإعلامية للنظام في محاولة التخفيف من آثاره والالتفاف على بنوده حسب عادته، وينشط محازبو النظام وانتهازيو اللحظة بمهاجمة كل من يتكلم بإيجابية عن القانون، في وضع يتزامن فيه التقسيم والاحتلالات مع ضغط معيشي غير مسبوق ينذر بكارثة لا قرار لها.
يتناسى ناشطو إعلام النظام السبب الرئيسي الذي دفع الكونغرس الأميركي بغرفتيه لإقرار القانون بعد أربع سنوات من طرحه ودوافعه لربطه بميزانية الحكومة الفيدرالية حتى يكون الزاميًا لا فكاك منه، يتناسون أن المسبب الرئيسي هو وحشية النظام تجاه شعبه، وبالوثائق، وعلى يد ضابط من ضباط النظام لم يحتمل ما يجري. استند قانون قيصر على أكثر من خمسين ألف صورة توثق قتل أكثر من أحد عشر ألف ضحية في سجون النظام ومعتقلاته.
لوقف تداعيات هذا القانون وآثاره المدمرة لا يلزم إلا تنفيذ ما يطلبه القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي صدر بالإجماع بناء على توصية من كوفي أنان المبعوث الدولي إلى سورية والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة والتي كانت تقول:
1 ـــــــــ وقف قصف المدنيين بالطائرات والأسلحة الفتاكة.
2ــــــــــــ رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل النظام والقوات الروسية والايرانية وميليشياتها.
3ــــــــــ السماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرك المدنيين بحرية.
4 ــــــــــ إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختفين قسريًا.
5ـــــــــــــ السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية.
6 ــــــــــــــ عودة المهجرين السوريين بطريقة آمنة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وإحقاق العدالة للضحايا.
ولن يتم ذلك إلا من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالية تفضي إلى عملية سياسية تتيح للشعب السوري اختيار طريقة الحكم التي يريدها مع هيئات دستورية وقضائية وتشريعية بالإرادة الحرة.
بهذه المطالب يترك القانون فسحة للنظام للتخلص من تبعاته. هذه المطالب هي مطالب الشعب السوري قبل قرار مجلس الأمن وقبل قانون قيصر وهي مطالب أكدت عليها القوى الوطنية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني منذ انتفاضة عام 1980. ولكن النظام اختار الحل الأمني وهو إلى الآن لا يملك غيره ويعرف أن قبوله بهذه المطالب يعني نهايته مع أن الإدارة الأميركية دأبت منذ عام 2005 على القول إنها لا تريد تغيير النظام بل تغيير سياساته. ولكن تغيير سياساته من فساد وتسلط واستقدام شذاذ الآفاق للدفاع عنه يعني إنهاء مرتكزاته وسقوطه.
لقد حكم هذا النظام سورية لأكثر من نصف قرن وهو ما يشكل نصف عمر سورية الحديثة، وطوال هذه الفترة تنحدر سورية باستمرار وينحدر الاقتصاد وتنحدر الثقافة والمجتمع والطبقة الوسطى الرئيسية في كل المجتمعات، عدا عن الانحدار الرهيب في حقوق الإنسان وانعدام الحريات بكل اشكالها.
لكن لغة العقوبات في "قانون قيصر" لم تقتصر على النظام ومحازبيه، إذ استهدفت دولًا وكيانات وأشخاص، فبالإضافة للنظام السوري ومؤسساته المالية والاقتصادية وأشخاصه، هناك النظام الروسي والمسؤولين فيه بما فيهم قيصر النظام بوتن، الذي يسابق قيصر السوري ليستحوذ على ما يستطيع، والنظام الايراني ووكلائه. لذلك نسمع الصراخ والعويل الذي يتعالى من أروقة النظام والحراك الدبلوماسي لمحاولة كسر العقوبات والتحايل عليها، لذلك نرى قيصر مطالب الروسي تزداد وتحدد أكثر من ثلاثين موقعًا هامًا للاستحواذ عليهم بحجة سيزر وسدادًا لديونها المترتبة على النظام بمساعدته في قصف السوريين وتهديم بنيتهم التحتية. عندها لن يكون لها مصلحة في مناقضة وضع النظام، فليتحلل لوحده تحت تأثيرات متعددة.
ويأتي ترنح النموذج اللبناني ما مثله من متنفس والتدهور الحاد للعملة السورية بشكل غير مسبق حتى قبل تطبيق القانون، ليعطي مؤشرًا حيًا عما سيحصل عند تطبيق القانون، فلا منجاة لهذا النظام إلا بالرضوخ للمطالب الشعبية، بالرضى أو كرهًا، ليرحل وتعيش سورية حرة أبية موحدة بشعبها وأرضها، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
محمد عمر كرداس