يتعين علينا تعريف الليرة كي نستطيع معرفة ما هي الامكانات التي نستطيع من جرائها استبدالها وكيفية القيام بذلك إن حقت المطالب بهذا التغيير.
- الليرة هي الرمز الاقتصادي الوطني وليس ملك لا جماعة النظام ولا رئيس دولة هي ملك الشعب ومن هذا المنطلق يتوجب على المواطن الدفاع عنها وفق المعطيات الاقتصادية لأنها وسيلته الوحيدة التي بموجبها يسدد مشترياته ومستلزماته اليومية الحياتية وفقًا للأنظمة والقوانين السارية في سورية والصادرة عن المصرف المركزي السوري الذي يدير عمليات النقد والرقيب الوحيد على الليرة والعملات الأجنبية.
- القطع الأجنبي هو العملات الأجنبية التي تحصل عليها خزينة الدولة من الصادرات والمعابر الجمركية وموارد أخرى متعددة منها الثروة الوطنية وبيعها كبترول وغيره من المنتجات والمحاصيل والصناعات.
- يتم تحديد قيمة الليرة السورية وفق خطوات يتم التوافق عليها عبر ما يعادلها من قطع أو ذهب والقطع وفق أنظمة ومعايير موضوعة وفق اتفاقيات دولية بهذا الخصوص بين صندوق النقد والبنك الدولي. وكان الدولار بالسابق والذهب هو الرصيد للعملات واليوم باتت سلة متنوعة المكونات من العملة.
لكن هل حرص القائمون على الاقتصاد السوري في الحفاظ على قيمة الليرة واستقرارها بقيمة الإصدار أو التحسن وذلك وفق معايير الميزان التجاري بين الدخل والمصروفات، هنا تكمن المشكلة التي يتوجب الحديث عنها، كيف سيواجه النظام هذا الهبوط الحر لسعر الليرة مقابل العملات الاجنبية الأخرى، وسنأخذ الدولار بشكل مستمر المثال على تلك العملات كونه الأكثر تداولاً بالسوق السورية في أغلب المناطق، تأتي بعده الليرة التركية بالمناطق الشمالية لسورية لكونها مناطق حدودية، وهكذا لأغلب المناطق الحدودية الأخرى.
بعد تراجع جميع مرافق الدولة من مصانع وبوابات جمركية وغياب البعض منها نهائيًا إضافة إلى وقوع الثروة الوطنية كالبترول والقمح والقطن بين أيادي بعيدة كل البعد عن النظام، أضعف الناتج المحلي وباتت الخزينة فارغة مما اضطرها إلى اللجوء للاحتياطي الأمني من القطع حتى بات اليوم شبه معدوم ، ونعرف جيدًا أن للدولة مصاريف ورواتب وموازنات وخطط ملتزمة فيها، منها صيانات وقطع غيار وآليات ناهيك عن السلاح وقطع غيار الطائرات، هذه الأمور تتطلب قطع نادر لمواجهتها يوميًا، ومن أجل تأمين السلع الاستهلاكية اليومية لكن أين الدولار ؟؟ ومن أي مصادر ستحصل عليه، حينها يواجه المصرف المركزي عقبة تغطية المتطلبات على القطع لكي يشتري بها ما يحتاجه، خاصة أن 80% من مواد المواطن اليومية باتت مستوردة.
هذا الوضع من الانهيارات بموجب العرض والطلب وعدم تغطية ما يتم طبعه دون تغطية رسمية جعل من الدولار عملة نادرة بحق، ورفع سعرها بشكل جنوني لأسباب عديدة منها الضعف الاقتصادي ومنها التلاعبات بالسوق من انتهازيين واحتكاريين وأغلبهم مقربين من النظام وفروعه من الأمن التي تغطي أعمالهم، مما خلق سوق سوداء على الدولار لكي يستطيع التجار بموجب ذلك تغطية ثمن بضائعهم عبر قناة الصرافة ومكاتب الحوالات والمصارف الخارجية، ولكن هذا التاجر وحين وصول البضائع يواجه مشكلة جديدة أن سعر الدولار تضاعف ، فما الحل، إما البيع بالدولار أو تطبيق سعر يغطي به تراجع قيمة الدولار، والمواطن بالشكل المستمر هو من يتحمل هذه التفاوتات بالأسعار حتى بات راتبه الشهري لا يكفي خمسة أيام . ونضيف مؤخرًا طرح عملة ورقية سورية مزورة يهدفون من ورائها امتصاص الدولار مهما كان سعره.
كما بينت أن هناك تذبذبات بسعر للدولار، مما دفع ببعض التجار في المناطق المحررة لوقف التعامل بالليرة واستبدالها بعملة أخرى أكثر ثباتاً وبذلك يتفادى تلك التذبذبات، ولكن المواطن سيشتري بليرته السورية التي يتقاضاها كراتب، منهم المتقاعدين والعساكر وأصحاب الدخل اليومي.
لكن من يستفيد بالواقع من هذا الوضع، النظام بالشكل العام كونه لم يعد مسؤول عن تغطية ثمن البضائع ستصل إلى الموانئ مدفوعة القيمة بل بالعكس سيتقاضى الرسوم الجمركية بالدولار وفق الفاتورة ، أما ما يدخل إلى سورية عن طريق التهريب والبوابات التي لم يعد للنظام أي سيطرة عليها، وفي ذات الموضوع ستتقاضى الرسوم بالدولار، وبهذا الشكل وصلت إلى المناطق بقيمة دولار محملة بكل المصاريف فأمام المواطن الشراء بالدولار أو بعملة أخرى أكثر ثباتًا، أو بالليرة السورية ولكن من خلال فوارق بسعر الصرف ترهق التاجر بالمفرق والمواطن.
التاجر المستورد لا تفرق معه بل بالعكس فرصة ينتهزها لغياب الرقابة على الأسعار وقيمة القطع والضرائب بكل أشكالها ونستنتج من ذلك إرهاق المواطن بآخر المطاف.
يرى بعض أصحاب الاختصاص بالاقتصاد والنقد، أنه لا يوجد هناك شيء اسمه انهيار عملة لدولة ما، وهذا ما أوافق الرأي عليه، هناك سقوط حر بسعر الصرف والقوة الشرائية لتلك العملة، والثروة الوطنية قادرة على إعادة الليرة لوضعها الطبيعي بعد قمع الفساد واستثمار تلك الثروة لصالح الوطن والمواطن، ولكن تدهور الليرة سيخلق في الآخر حركة شعبية تجبر النظام على الاستسلام، كون الموضوع بات يقضي على لقمة عيش الفقير والمواطن العادي وسيجبر الموالي قبل المعارض للنزول للشارع، حتى لو حدثت تدخلات كل فترة من قبل النظام لرفع قيمة الليرة، ولكن هذا الأمر لبضعة أيام أو أسابيع يمكن استمراره وليس كخطوة تصحيحية للاقتصاد وكيف له أن يصحح الاقتصاد إذا كانت كل المرافق المنتجة معطلة نهائياً.
يمكننا استعمال العملة البديلة مؤقتاً بالمناطق التي تسمح بذلك ومن جرائها تخفيف حدة التذبذب بسعر الصرف وتحاشي الأسعار التي يطبقها التجار على البضائع بحجة ضعف الليرة، ولكن هذا لا يعني مطلقًا الاستغناء عن الليرة مهما حدث فهي الرمز الوطني لسورية وسنرى انعكاسات ذلك أيضًا على المواطن بالمناطق التي تخضع للنظام ومازالت تتعامل بالليرة.
أما متى نستبدل العملة بعملة أخرى وفق العرف العام، حينما تتحد دول مع بعضها وتشكل عملة موحدة بشكل جديد وقيمة جديدة محافظة على القيمة الشرائية لوحدة العملة الجديدة، وهذا ما حدث بالاتحاد الأوربي، ودول الإمارات، وبالحالة الثانية حالة حرب أدت لتهريب العملة المحلية والتلاعب بها كرصيد أو كقطعة ورقية، وهذا ما حدث بالعراق، وهناك حالات نسميها الحالات السياسية، فاليوم الليرة السورية تحمل صورة الأسد فحين سقوطه أكيد سيتم تغيير العملة، وبالعادة من يضع صورة رئيس على العملة أغلبهم طغاة ويعتبرون أنفسهم الرمز الأبدي للوطن، باستثناء الملوك كملكة انكلترا التي رفضت دخول مفهوم العملة الموحدة للسوق الأوربية حفاظاً على شعارها الوطني وهو الملكة (بلا شك احدى الأسباب)، ويبقى السؤال هل الأزمة المالية تؤدي إلى انهيار الليرة إلى هذا الحد وكيفية علاجها.
عودة بالزمن إلى أزمة 2008لما ذاع في الأفق خبر الأزمة المالية التي تهاوت فيها بنوك كبرى ومؤسسات مالية عظمى، وانحدرت فيها البورصات العالمية، وتبخرت تريليونات، وطارت مليارات من أسواق المال، فما هي أسباب هذه التقنية؟
الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول، والأصول إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية، وإما أصول مالية، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية، ومنها العقود المستقبلية (للنفط أو للعملات الأجنبية مثلاً). فإذا انهارت قيمة أصول ما فجأة، فإن ذلك قد يعني إفلاس أو انهيار قيمة المؤسسات التي تملكها. وقد تأخذ الأزمة المالية شكل انهيار مفاجئ في سوق الأسهم، أو في عملة دولة ما، أو في سوق العقارات، أو مجموعة من المؤسسات المالية، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاديات، إذا نظرنا للواقع السوري سنرى أن أغلب المؤسسات ذات السمات الاقتصادية هي خارج الخدمة أو فقدت من إمكاناتها الانتاجية الكثير، كوادر بشرية ، أدوات انتاج متوقفة بسبب لزوم قطع غيار، قوانين تصدر يوميًا تتضارب فيما بينها عبر شخصنة أكثر من أن تكن لمصلحة الوطن والمواطن، هروب رؤوس أموال ناهيك عن الصراع القائم بين رؤوس النظام الذين يتحكمون بأكثر من 70% من اقتصاد البلد وثرواته، نضيف إلى ذلك التنازلات لدول وشركات أجنبية عن القطاعات الرابحة وحتى الثروة الوطنية كالبترول والغاز والفوسفات مقابل الحفاظ على السلطة، وهذا يثبت لنا أن انهيار الليرة قد حقق جميع الشروط المطلوبة لنراها اليوم تلامس 2000 ل س مقابل الدولار.
أما العلاج، فبكلمتين بسيطتين، قمع الفساد ثم قمع الفساد من ثم بتغيير مفاهيم المخاطر ومعاييرها، إضافة إلى وضع قوانين رقابية أشد صرامة على المؤسسات المالية التي تسير السوق وفق مفهوم ربحي وليس وفق مفهوم تطور اجتماعي أي الاقتصاد الاجتماعي.
وحول موضوع الليرة والبديل، فهذا الموضوع لا يمكن أن يتم أخذه بهذه البساطة ولا يمكن التعامل به فقط من منظور خسارة وربح للتاجر، إنه موضوع سيادي بامتياز ويتوجب الإجماع عليه وفق تعديلات بالدستور وقوانين النقد وكل ما يدور في فلكها والعودة إلى جميع الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين الدولة والدول الأخرى، بمعنى آخر عملية تغيير شاملة للنظم والقوانين التي تدير الدولة وعربتها الاقتصادية انطلاقاً من البنوك وانتهاءً بالوزارات وموازناتها.
سمير خراط
كاتب سوري