العدالة


 

التقيت بشاب سوري من الشام، ظريف الشكل، خجول وبسيط، لم يكن طبيباً ولا مهندساً ولا محامياً، ولا حتى خريجاً جامعياً، قال لي حين سألته:

  •  "درست للصف السادس ابتدائي، وبعدين تركت المدرسة".

لم يكن تاجراً ولا صاحب ورشة خياطة، ولم يكن عنده منزل وسيارة، ولم تخطف الجماعات المسلحة أحد أفراد عائلته، ولم يدفع كذا مليون فدية، قال لي ببساطة حين سألته:

  •  "بيتنا كان آجار وأبي مشلول، وأنا وأخوتي كنا نشتغل".

لم يدفع كذا ألف يورو للمهربين، ولم يغرق البلم بهم ولم ينقذ طفلاً من الغرق، ولم يسبح عشرة كيلومترات، قال لي حين سألته:

  •  "إجيت مشي وبالباصات، الله سهل أموري".

لم يقل عبارة (بس تخلص بدي إرجع)، ولم يقل عبارة (ماني جايي إشحد) ولا عبارة (بلاد الكفرة)، بل قال لي حين سألته:

  •  "إذا تعلمت لغة واشتغلت والله وفقني، رح جيب أمي على حسابي، خليها تجي تشوف الدنيا شوي".

لم يقل (هي مو ثورة)، ولم يقل مؤامرة وقطر وسعودية وأردوغان وأمريكا، بل قال حين سألته:

  •  "ما بعرف بس كنت حس بأنو كل ما بطلع بمظاهرة عم انتقم لأبي المشلول في البيت، عم آخدله حقه، عم خليه يطيب، كان عندي أمل إنو إرجع للبيت وشوفه عم يمشي، والله كانت أحلى أيام، لهلق ما عم صدّق إنو طلعنا ثورة".

لم يقل صواريخ فوق رؤوسهم، ولا دبابات خلف منزلهم، ولا قناص على السطح، ولا عبوات ناسفة، بل قال حين سألته:

  •  "طبيعي هيك نظام ما يرشنا بالورد".

أهله الآن في إدلب، وصلوا بالحافلات الخضر، لم يقل شيئاً، دمعة فقط، قال لي حين سألته:

  •  "ولاد الحلال كتار بإدلب، بعدين أنا عم ساعدهم".

قال لي في نهاية الحديث:

  •  "انخرب بيتنا بس ان شاء الله منعمره أحسن من الأول".

لكنه لم يكن يملك بيتاً في سوريا فماذا يعني بعبارة: "انخرب بيتنا"؟ قال لي حين سألته:

  •  "بيتنا.. قصدي البلد".

هو يعني البلد ويحزن عليها كالذي يحزن على شقاء العمر، أعطيته لفافة تبغ، قال لي:

  •  "تركت الدخان لأنو غالي هون.. إمي أولى بها المصاري".

هذا الشاب هزني صباحاً، حين تركته كنت أفكر بأمر واحد، أن الجنة تحت أقدام الأمهات، والذين يعيشون لأجل الأمهات أيضاً، قال لي حين سألته إن كان يملك صفحة فيس:

  •  "لا والله عندي واتس بس بحكي فيه مع إمي".

اليوم التقيت بسوري مد يده الى أعماقي وأعادني الى سوريا الجميلة قبل الحرب.

 

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري



 

Whatsapp