ماذا فعل الأسد


 

عندما نعود بفكرنا إلى بداية الثورة يذهب البعض للظن بأن سلاح الأسد الرئيسي كان الصواريخ والمدفعية والدبابات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية على اعتبار أنها فتاكة وأكثر تأثيرًا، ولكن المتبصر في الأمور يدرك تمامًا أن الأسد اعتمد على التلاعب في عقول السوريين بطرق متعددة ومنها الكذب والخداع عن طريق وسائل الإعلام ونشر الأخبار المضللة والتحكم بأفكار الناس ومعلوماتهم واستقدام محللين ومفكرين يعبدون الطريق لأفكاره وتكريس بقائه على كرسي الحكم تحت شعارات كاذبة ذهب لأجلها أكثر من مليون سوري ثم عملية التفرقة وخلق الفتن بين أفراد الشعب، وذلك بإثارة النعرات الطائفية عن طريق بعض العناصر المتطرفة والموتورة من الجهتين وسعى جاهدا لإلباس الثورة لباس التشدد من خلال الموقوفين الذين أخرجهم من سجونه لزرعهم في جسم الثورة وخلق الفتنة حتى ما بين خصومه كإسلامي وعَلماني وحلبي وشامي، واستغل بعض أصحاب الأجندات والحسابات الإيديولوجية والسياسية واستثمرها لصالحه.

كان الأسد يعلم تمامًا أن البيئة الاجتماعية السورية تربة خصبة لتقبل الإشاعات وتصديقها فهو من زرع فيها الشك وقلة الثقة حتى بين الأقرباء على مدار خمسين سنة، وأن هذه الشائعات المفبركة يوجد لها مستقبليها ومروجيها وكأنها حقائق موثقة وتدريجيًا يتحولون إلى مروجين لها، بل ويزيدون عليها لتزداد ضخامة، والعدوى كانت تنتقل حتى إلى بعض المثقفين والسياسيين والأكاديميين اللذين لم يحكموا تفكيرهم وتحليلهم عن طريق البحث والتدقيق، وبدأت المخابرات الأسدية والجيش الالكتروني يروجون ما يريدون، ومعظم الشعب يتداوله كحقيقة مطلقة. 

مارس الأسد على مؤسسات الثورة التضليل واعتمد على أساليب المخابرات وذلك من خلال اختراق الصفوف ببعض العملاء للتجسس ومعرفة الأخبار بشكل موثق من اتصالات ولقاءات واجتماعات ومواقف وهدف إلى بث روح الفتنة واللعب على الحسابات الضيقة للبعض، سواء كانت شخصية أم سياسية وحتى الجهوية والعشائرية بالإضافة إلى توريط بعض الشخصيات المعارضة في علاقات مشبوهة ولقاءات مرفوضة جماهيريًا لتشويه السمعة المالية أو السياسية أو الأخلاقية. 

كانت الإشاعات والدسائس تفبرك في أقبية المخابرات وعلى أيدي مختصين وتنشر في أوساط التواصل الاجتماعي ليتم استخدامها بطريقة حرفية ولتترسخ وتصبح حقيقة مسلمة يدافع عنها الكثيرين ويقسمون بأغلظ الأيمان على صحتها، علمًا أن الأسد صرح في أحد خطاباته اكذب اكذب حتى تصدق، وما زال مستمرًا حتى اليوم عن طريق عملاء وشائعات وأسماء مستعارة وغير مستعارة وأكاذيب وتهم في الانترنت.

إذا سألنا أنفسنا على ماذا يعول الأسد في البقاء بالحكم. ببساطة نقول: إن معركة سورية هي حق وباطل، خير وشر، صراع إرادات وعزيمة وليست فقط حديد ونار، إنها معركة صبر وتحمل ومن يداهمه اليأس سوف يهزم، والحرب النفسية تعول عليها مخابرات الأسد كثيرًا لكسر إرادتنا ونشر الخلافات في ما بيننا والسخط والملل وخاصة في محيط الثورة الجماهيري والصعوبات المالية والاقتصادية وشظف العيش وفشل مؤسساتنا، لذلك لابد من الحفاظ وبث روح النضال والتفاؤل والإصرار والعزيمة وتحمل ضيق المعيشة. 

علينا أن ندرك أننا أمام عملية هدم وبناء، فالهدم للظلم والاستبداد والفساد والاستعباد الذي عشناه مع نظام الأسد لمدة نصف قرن، والبناء هو البلد الحر الكريم العادل بلد التغيير عن طريق الانتخابات ووفق إرادة الشعب بلد المؤسسات والقانون والفصل بين السلطات والحقوق والواجبات والكرامة والعدالة. 

بعض الثوار يرددون شعار سرقة المتسلقون للثورة وهو وارد ولو جزئيًا لكن الأخطر أن ينحرف هؤلاء الثوار وخاصة من يدعون أنفسهم بالقادة عن أهداف ومطالب شعبهم وأن يصبح همهم الأساسي الغنيمة والمناصب والمزايدات الثورية وإظهار أنفسهم كأوصياء على الثورة والشعب وحماة الحمى. 

عند انتشار الفوضى فالشعب بشكل واضح سيفقد الشعور بالأمان والاستقرار وسيتحول مطلبه تلقائيًا إلى الأمن والحياة بدلًا من الحرية والديمقراطية وكل خوفنا من ازياد انتشار الفوضى والخوف والديماغوجية التي قتلت ودمرت الكثير من الثورات عبر التاريخ، والتي بدأت تنخر في مفاصل ثورتنا بشكل واضح وصريح دون حسيب أو رقيب، وكم نأمل أن لا يخرج الوطن من تحت فكر ووعي النخب الثقافية والسياسية وتأثيرها والتي تمتلك من القيم والمبادئ الوطنية والمهارة والخبرة ما يكفيها لتغير مسار الأحداث وتوجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح لو اتفقت فيما بينها .

 

د. محمد حاج بكري 

أكاديمي وباحث سوري

                                                                                                                

Whatsapp