سوريا وتهافت المشاريع


 

لا نبالغ أبداً إذا قلنا أن من لم يشارك من معظم أنظمة دول العالم في المحرقة السورية فقد وقف متفرجاً في أحسن الأحوال - إن استثنينا التصريحات الخجولة الجوفاء من بعض تلك الدول والتي كانت تتناقض مع أفعالهم السريّة منها والعلنية بدعم النظام، أو التغاضي عن جرائمه في أحسن الأحوال - وإلا كيف لنا أن نقتنع اليوم بعد مضي أكثر من 9 سنوات من القتل والتدمير وتصفية المعتقلين والتهجير الممنهج الذي مارسه نظام دمشق على رؤوس الأشهاد متحدياً العالم ومجلس الأمن الدولي و"التهديدات الخطابية" للولايات المتحدة الأميركية إن لم يكن متواطئاً معهم ومتواطئون معه، وأما عن الغارات الإسرائيلية التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى، هي لا تستهدف النظام مطلقاً فالنظام هو ذات النظام الذي جمّد جبهته مع إسرائيل منذ ما بعد "الحرب التحريكية" في تشرين أول / أكتوبر عام 1973 والتي لا تختلف عن المناوشات التحريكية التي أجراها حزب الله في جنوب لبنان والتي أفضت إلى بسط سيطرته على المنطقة الحدودية وإبعاد الفصائل الفلسطينية المقاومة واستلام مهمة حماية الحدود الإسرائيلية. 

إذاً فالخلاصة المنطقية التي يمكن استنتاجها هي أن الدول الراعية للأنظمة العربية المستزرعة لا يتخلون عن عملائهم مهما طغوا وأجرموا إلا إن تم تأمين البديل الذي يناسبهم.

ولا ريب أن تصريح "جيفري" الأخير بخصوص الموقف الأميركي من نظام الأسد يعكس حقيقة السياسة الأميركية ونمطية تعاطيها للأمور بالرغم من تناقضها أحياناً، وعلى الرغم من محاولة بعض الجهات والقنوات الإعلامية اجتزاء عبارات محددة من ذلك التصريح ونشر تلك العبارات أو بثّها بما يتماهى مع سياساتهم، إلا أن الثابت والمؤكد والذي لا لبس فيه أن "جيفري" يعي تماماً ما يقوله، وهو لا يتحدث عن آراء شخصية إرتجالية، بل تعمّد من خلال تصريحه الأخير أن يوصل عدة رسائل:

الرسالة الأولى موجهة للدول التي لا زالت تتشبث بالأسد من أجل ضمان استمرارية الاتفاقيات المجحفة بحق الشعب السوري والتي أبرِمت معه بعد استغلال ضعفه وتهلهل منظومته، ومفاد تلك الرسالة أن لا إمكانية للبدء بإعادة الإعمار إلا بعد خضوع الأسد للشروط الأمريكية وموافقته على الانتقال السياسي ضمن الرؤية الأمريكية تحديداً.

أما الرسالة الثانية فهي للعالم أجمع ومفادها أن موقف الولايات المتحدة كان ولا يزال يرفض الإطاحة بنظام الأسد بشكل مباشر بل هدفهم إجبار الأسد على القبول بالقرارين الدوليين 2118 و2254 القاضيين بتشكيل هيئة حكم انتقالي تمهيداً للانتقال السياسي من الحقبة الحالية إلى حقبة جديدة يجري الإعداد لها وطبخها على "نار هادئة" كي لا يتعارض نضجها مع ما رسمته الولايات المتحدة للمنطقة منذ العام 2005.

أما فيما يخص روسيا فالمتتبع للسياسة الروسية يعلم أنها كلما رفعت من سقف مطالبها فذلك يعني أنها أدركت قرب رحيل النظام، وأنها لا تريد أن تخسر ما أنجزته من مكاسب، فهي تناور للإبقاء على موطئ قدم لها في سورية كغيرها من أطراف "الانتداب"

وإذا ما ربطنا تلك الأمور مع التطورات الأخيرة في الجزيرة السورية والزيارة التي قام بها نائب المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي، السفير "ويليام روباك" ورعايته للّقاء الأخير بين المجلس الوطني الكردي وال pyd والضغط عليهما للاتفاق والاندماج، والزيارة الأخرى التي قام بها الوفد الفرنسي لمدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، برئاسة السفير الفرنسي السابق في دمشق "إيريك شوفالييه"، إذا ما ربطنا كل تلك المستجدات ببعضها البعض فإننا نستنتج بأن سورية مقبلة على مرحلة جديدة، وأن تلك المرحلة تؤسس لحالة لم يعهدها السوريون من قبل وهي أقرب إلى اللامركزية السياسية والإدارية.

فهل هو تمهيد للتقسيم.؟ 

أم أنه هروب من استحالة إعادة البلاد إلى ما قبل 2011 ...؟

أم أن ما خطط له وما جرى في سورية من تغاضٍ وتسويف هو بالأصل يدخل في سياق التهيئة لهذه "المرحلة الجديدة".؟

 

محمد علي صابوني

كاتب وصحفي سوري

Whatsapp