الدخان


 

على الهاتف قالت أمي:

  •  ألا زلت تدخن كخالك الذي تبقى لفافة التبغ في فمه حتى تحترق شفتاه؟

في العيادة سألني الطيب:

  •  كم سيجارة تدخن في اليوم؟ 

فأجبته:

  •  عشرين.

في كولن قال لي صديق:

  •  أنا أقلعت عن التدخين بفضل الشيشة، أنصحك بمعسّل التفاحتين.

 تفاحتان هذه الكلمة تذكرني بحبٍ ما.

في عيد راس السنة قبل عشرة أعوام أعطيت لبناتي ثلاث قصاصات ورقية لتكتب كل واحدة منهن هديتها التي تحلم بها.

الصغيرة كتبت: أريد ألواناً.

الأكبر منها كتبت: أريد جيتاراً.

والكبرى كتبت: أريد أن تقلع عن التدخين يا أبي.

في حلب علمتني جارتنا مريم العبدو (من الرقة) لف السجائر، شدّت على اصابعي وهي توصّيني:

  •  لا تشتري الجاهز (يا ول) ... الرجّال يدخن من الكيس.

لم يضربني أبي حين رآني على السطح أدخّن في السر، اكتفى بنظرة غريبة ثم جلس على الشرفة ودخن حتى الصباح.

في الصباح كانت المنفضة ممتلئة بجانب رأسه وكان هو نائم، قالت عمتي لأمي: 

  •  غريب لهلق نايم!.

أشارت أمي إلى المنفضة وقالت:

  •  اللي بيدخن كل هدول بليلة شلون رح يفيق.

اشتريت علبة دخان في بلجيكا وكان عليها صورة بشعة، قلت للبائعة أن تستبدلها بصورة ألطف، فاستبدلتها وكانت صورة رجل نائم وطفل يبكي بجانبه، فتذكّرت مشهداً من طفولتي. 

ذات مرة في ميونخ احترقت وسادتي ولم أعرف كيف، هل كان رأسي السبب أم السيجارة؟

منعوا التدخين في المقاهي ففقدت القهوة شريكاً جميلاً وفقدت لذّتها.

ابنة جاري التي تسكن وحدها أصابها السرطان فماتت في أسبوعين ولم تكن تدخن، حزنت على جمالها ووالدها إذ يقول لي بابتسامة:

  •  كل ذلك الجمال مات في أسبوعين.

أشعر بالإحباط إذا تأملت علبة السجائر في وقت متأخر وهي تحتوي على سيجارة واحدة، فاتركها كي لا أشعر بالوحدة.

كنت ذات مرة سأقول لحبيبتي أنت كالدخان لكنني خفت من مساوئ الكلمة.

كتبت ذات مرة قصيدة حب في كتابي الأول أذكر منها:

  •  مرحى للسرطان ما دمتِ تشتعلين لي.

اتصلت بأمي قبل أن تفقد ذاكرتها وقلت لها:

  • نعم يا أمي أنا لازلت أدخن مثل خالي، ولا أتركها تغادر شفاهي حتى أشعر بلسعة في القلب.

وكتبت للطبيب رسالة اعتذار:

  •  آسف دكتور ... لم أكن صريحاً معك حين سألتني عن عدد السجائر في اليوم.. وكان جوابي عشرين. هذا الكلام كان في السابق.. قبل المنفى وقبل الثورة وقبل أن نتحول إلى آلات.. أنا أدخن حوالي ستين سيجارة في اليوم.

قمت بزيارة إلى قبر بنت جاري بدافع الفضول، كنت أريد أن أعرف عمرها وخجلتُ أن أسأل والدها، (كريستين) عاشت تسعة عشر عاماً وأسبوعين، وهذان الأسبوعان التهما تسعة عشر عاماً.

اشتريت قبل عشرة سنوات مجموعة ألوان لطفلتي فرسمتني وفي فمي سيجارة، واشتريت للأخرى جيتاراً فغنّت لي:

  •  أريد وطناً. 

لكن الكبرى لم تحصل على هديتها، 

لن أموت من التدخين.. سأموت إن لم أدخن ... فكيف سيخرج دخان الحرائق من أعماقي دون سجائر، كيف سأشعر بأنني أطير وما هذا الدخان إلّا غيوم؟؟.


 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 

Whatsapp