بعد سنين من اﻹنتظار بدأ (قيصر) تطبيق الحصار، فبعد سنوات من الشد والجذب منذ عام 2014م وحتى شهر كانون الأول عام 2019م حيث تم التصديق على قانون قيصر من قبل الرئيس الأميركي ترامب ليعطي المهلة القانونية والتي مدتها 180 يوماً من تاريخ توقيعه ليصبح نافذاً، وبعد انتهاء المدة بتاريخ 17/6/2020 بدأ تطبيقه، علماً بأن القانون أخذ اسمه من الاسم الرمزي للعسكري السوري المنشق عن الشرطة العسكرية عام 2013م والذي حمل بجعبته 55000 صورة توثق جرائم النظام السوري خلال فترة عمله في أقبية ودهاليز آلة القمع السورية بكافة مسمياتها من شرطة وأمن وجيش، لأن اسم كل هذه الأجهزة ارتبط بذلك النظام الذي لا يمكنه العيش إلا في الظلام وممارسة الإجرام الذي لم يقتصر فقط على المؤسسات المذكورة بل طورها بإنشاء شبكة من الميليشيات ومجموعات الشبيحة الطائفية حيناً والمافيوية واللصوصية حيناً آخر.
فما هو قانون قيصر؟ وما الذي يريده من سورية؟ ثم ما مدى تأثيره على النظام والشعب السوري؟
وهل سيساهم في رحيل النظام؟ كل هذه التساؤلات وأسئلة أخرى سنحاول الإجابة عليها، فقانون قيصر أو ما يسمى بقانون (قيصر لحماية المدنيين السوريين) الذي حظي بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي يستهدف النظام السوري ومؤسساته ويفرض العقوبات على الحكومات أو الشركات أو الأفراد الذين يموّلون بشكل مباشر أو غير مباشر نظام بشار الأسد أو يساهمون في حملاته العسكرية على الشعب السوري.
يستهدف القانون جميع المؤسسات والشركات التي تعمل لصالح النظام في قطاعات (النفط، الغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية، والبناء، والهندسة). وتشمل العقوبات كذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سورية. وكلف القانون الحكومة اﻷميركية تحديد ما إذا كان المصرف المركزي السوري يعتبر أحد مراكز غسيل الأموال وفق القانون الأميركي حتى تطبق عليه العقوبات.
القانون أشار بالاسم إلى الدول الداعمة للنظام كروسيا وإيران، ويشمل جميع الداعمين للنظام السوري سواءً كانوا أشخاصاً حقيقيين أو اعتباريين، وكل أشكال الدعم ولو كانت تحت مسمى إعادة الإعمار في إشارة لبعض الدول كالصين والإمارات دون ذكرها بالاسم كونها تسعى للاستثمار في عمليات إعادة الإعمار وذلك لسد جميع الثغرات التي شابت العقوبات الأميركية والأوروبية التي طالت النظام السوري سابقاً واستطاع الالتفاف عليها. واعتبر القانون العقوبات بأنها مرتبطة بالأمن القومي الأميركي، وتعتبر هذه رسالة واضحة للنظام السوري والقوى الدولية والإقليمية عامة وروسيا وإيران خاصة.
نتيجة لما سبق فإن قانون قيصر سيطوق النظام ويجرده من داعميه الذين ذكرهم بالاسم ويعتبر هذا محاولة من أميركا لإعادة الإمساك بكل خيوط اللعبة السياسية في سورية.
التي هي أساساً حجر الزاوية، ولتذكر الجميع بأنهم بيادق على رقعة الشطرنج السورية ابتداء بالنظام الذي يحاول تخفيف الخناق الاقتصادي عليه أو إنهائه أو الدول المنخرطة فيما يجري على الأرض أو الميليشيات مروراً بالفصائل التي قد تعقد أميركا معها اتفاقات تقوم من خلالها بدعمها وتجميعها لمواجهة النظام من أجل تطويعه أو إسقاطه وذلك خدمة لمصالحها.
وهذا ما تريده أميركا من سورية وكل مكان تضع يدها فيه لأن مصالحها قبل كل اعتبار حتى لا يظن أحدًا أن القانون لخدمة السوريين فقط فأميركا وكل الدول تعمل وفق ما تتطلبه مصالحها ولذلك يجب على السوريين إدراك ذلك والعمل به فإن كان القانون يتقاطع مع مصالحهم فعليهم العمل من أجل أن يكون أكثر فعالية وتأثيراً حتى ينهي معاناتهم خصوصاً أنه لا يقيم وزناً لكل الانتصارات التي حققها النظام على الأرض ولا يقبل بما تقوم به روسيا من محاولات تسويق النظام وفرضه كأمر واقع ويشترط لوقف تنفيذه ما يلي:
- وقف القصف الجوي الذي ينفذه النظام أو القوات الروسية داخل الأراضي السورية.
-التزام جميع الأطراف هناك بعدم قصف المنشآت الطبية والمجمعات السكنية والمدارس.
-رفع القيود المتعقلة بوصول المساعدات الإنسانية للشعب السوري.
-محاكمة مرتكبي الجرائم في سورية.
-إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومنح المنظمات الدولية حق الوصول للسجون.
-تأمين العودة الآمنة للسوريين اللاجئين والموزعين في شتى أنحاء العالم.
وكما نرى فإن هذه الشروط تصب في مصلحة الشعب السوري وتتقاطع مع المواد المدرجة في قرارات الأمم المتحدة وبيان جنيف رقم واحد وإن طبقها النظام السوري فذلك يعني إنهاء النظام وتنحيته وهذا يتقاطع مع مطالب الثورة التي قام بها السوريين.
صحيح أن القانون سيؤثر على الشعب دون أدنى شك ولكن السؤال الذي يجب الإجابة عليه في هذا السياق هل الشعب السوري كان يعيش في بحبوحة اقتصادية ويستطيع تأمين كافة متطلبات المعيشة وجميع المواد الضرورية متوفرة في الأسواق السورية، بالتأكيد الإجابة هي لا لأن سورية من أوائل دول العالم التي يعيش مواطنوها تحت خط الفقر ويعاني أهلها الأمرين من أجل تأمين المواد الأساسية للحياة في الوقت الذي يهدر النظام مليارات الدولارات على القتل والتهجير والتدمير وعلى آلته القمعية.
فما الذي سيخسره السوريون وهم عرضة للجوع والفقر قبل وبعد صدور القانون علماً بأن القانون يستثني من العقوبات المواد الغذائية والأدوية وكل ما هو ضروري لحياة المواطنين فهو يستهدف النظام على العكس مما يحاول النظام تسويقه من أن القانون يطال الشعب.
ربما لا تُسقط العقوبات هذا النظام وذلك وفقاً لما رأيناه من العقوبات التي طبقت بحق دول كثيرة ومنها سورية التي تطبق عليها العقوبات الأميركية منذ عام 1980م لكن هذا لا يعتبر مقياساً فواقع سورية اليوم مختلف من كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
في ظل عدم امتلاك أي موارد لأن النفط والموارد الزراعية في أغلبها ليست بيد النظام وكذلك خلافه مع رجال الأعمال وعلى رأسهم رامي مخلوف ولأن داعموه لا يستطيعون إمداده بأي شيء نتيجة ظروفهم الاقتصادية وتجنباً للعقوبات التي قد تطالهم، كما أن التناحر الاجتماعي والعسكري بين جميع المكونات مع النظام له تأثيراته الكبيرة لذلك سيكون أثر العقوبات قاسياً في مناطق سيطرته وعلى مواليه بالدرجة اﻷولى هؤلاء الموالون الذين لم تعد تنطلي على بعضهم أكاذيبه التي يسوقها في اﻹعلام عن النصر وانتهاء اﻷزمة ومطالبتهم بالصمود المؤقت فقد بدأ التململ بين صفوفهم لأن حب القائد لن يعيد لهم أبناءهم القتلى من القبور ولأنهم لا يملكون ما يقدمونه لأطفالهم الجياع اﻷحياء، فوجبة الصمود قد أصابتهم بالتخمة وأكلة المقاومة بالبشمة وشراب الممانعة باﻹمتلاء. لذلك فالقانون إن لم يسقطه فسيسرع عملية إسقاطه التي نراها باتت وشيكة بسبب الجوع الذي سيرهق مواليه.
صفا عبد التركي
كاتبة سورية