يبدوا أن هناك صباحات جميلة في الأفق، فقد أتعبتنا لظى الحروب، وأصبح الخروج أصعب من الدخول، أتركوا لنا ضوءاً نستدل به فقد غابت الشمس وانطفأ القمر بحثاً عنا، فقدنا الاتجاهات حتى الأصوات إلا من آهات دفينة ضاعت في سراديب الظلام، واستحم الغزاة في أنهارنا الرافضة، ورفعت رايات باطلة بكل الألوان، تعددت اللغات واللهجات، والعادات غريبة والوطن حائر يبحث عنا وعن أولاده الذين كبروا عشرات السنوات، عن محبيه فقد لاجت روحه وفقد الأمان لم يعد يرى إلا الدماء والدمار!!، تنتابنا لوعات الحنين مع حرقة الانتظار، نحلم بلحظة ترف إذ نحن على ضفاف الفرات والعاصي وبردى، ننتقل بعدها إلى كل السفوح والجبال لننزل أخيراً إلى شوارعها ونراها قد تبدلت معالمها وتغيرت الأسماء؟؟ والمزاد العلني يكبر وترخص الأسعار، لكن شهداؤك اشتروك بأغلى الأسعار دفعوا دمائهم وأرواحهم لاسترجاعك ودماءهم لن تذهب هدراً فكل قطرة ستنبت بطل، تراب الوطن ارتبك من عطر أنفاسكم، لن يشعر الأطفال بالخوف بعد الآن فأرواح شهداءنا في كل مكان، ليست هناك قبور موحشة بل أرواح هائمة تحميهم وتعطيهم القوة والأمان، تتساقط الأنوار من تلك الأرواح تنبثق الدماء وتتألق الرؤيا، ولا زالت العيون تشع بريقاً ممزوجاً بكل طيبة الأمهات ، واختفت كل العيون الرمادية، ونحن عائدون لننهل مما رويتموه بكل الأمل، هنا بسمة حمزة وهنا ضحكة هاجر والنسائم تحمل أرواحكم العطرة، لا تظنوا أننا ننساكم، سننقل أقدامنا بخفة ونحاول أن نمشي على رؤوسنا لتكونوا تيجاناً عليها، سنستقبل الصباحات كل يوم بالترحم على أرواحكم الطاهرة، هذه هي صباحاتنا الجميلة بذكراكم فديتم بأرواحكم الأجيال القادمة التي ستنهل منكم الإباء والتضحية، دماؤكم كانت قرباناً لأجيال لن ترضى الذل من بعدكم، أجيال أنتم قدوتها، سيبقى أحفادكم يفخرون ببطولاتكم فلولا تضحياتكم لبقوا أسرى لإجرامهم مدى الحياة، سيروون لأولادهم عما كابدتموه بكل صدق ويعلموهم أن يرموا الورود في كل الأماكن التي وطأتها أقدامكم، ستعاد أسماءكم إلى الحياة، ستسمى كل الأماكن والزوايا بأسمائكم المقدسة فما بعد العاصفة مطر، الذي يتبعه روائح وأزهار، سنلمح وجوهكم الجميلة في كل الورود، سيصنع الأطفال من تراب أقدامكم عزة وكرامة، أرواحكم ستبقى هائمة في سماء الوطن تحرسه وتعطره وتبعد عنه كل مجرم وخائن، أرواحكم لن تفارقنا بعد الآن لنستطيع أن نكمل مشواركم عبر الأجيال القادمة التي ورثت عنكم العزة والعنفوان، من صوركم سيصنعون مزهرية يزينون بها كل الساحات التي شهدت شجاعتكم، وأدمنت صوت الساروت وفدوى سليمان ومي اسكاف، ساحات تتنفس ملء رئتيها، لا حواجز ولا عصابات، هنا كنا نلعب ونرسم الأزهار، مهما اشتد سواد الليل سيعقبه ضياء، علمتنا الحياة بأن التفاؤل يصنع المعجزات، لنمسح الدموع ونزرع البسمات والينابيع سنتابع العطاء، وسيمتد الربيع لسنوات،
ستعود الشمس بحرارتها لتغمر الكون دفئاً وحناناً، والقمر بضيائه، وسيتنفس الكون الصعداء، ليواصل الأجيال من بعدكم حياتهم بنقاء بعيداً عن المجرمين والسفهاء، هي رسالة من السماء لدحر الخيانة واعتماد الصفاء.