عبر المجتمعات الديموقراطية التداولية، لا تجد أحداً يدافع عن السلطة ضد منتقديها، سوى السلطة نفسها، أي أعضاء الحكومة والمتنفذين فيها، وحتى أن أعضاء الحزب الحاكم نفسه يمكن أن ينتقدوا أداء حكومتهم بغرض تقويمها وتصويبها، إضافة إلى أحزاب المعارضة الوطنية الذين يضعون مصلحة الوطن والمواطن نصب أعينهم، وهذا ما يسمى بالرقابة المجتمعية أو "رقابة الرأي العام على الحكومة" والتي ترسم حدوداً لحرية السلطة وجموحها واحتمالية استغلالها للمناصب في تمرير مشاريع خاصة ومصالح ضيقة، إضافة إلى الدور الرقابي الهام الذي تلعبه المؤسسة التشريعية (البرلمان) والتي هي عادة ما تكون مزيجاً من كافة الفعاليات السياسية والتجارية والصناعية والمهنية والفنية والفكرية، التي تمثل شرائح المجتمع تمثيلاً حقيقياً متوازناً، والتي تملك بذات الوقت صلاحية محاسبة الحكومة، أو إسقاطها وسحب الثقة عنها إن استوجب الأمر ذلك .
كما أن هذا الحال لا يبقى على ما هو عليه، فمن هو في السلطة اليوم يمكن أن ينتقل إلى صفوف المعارضة بعد أول انتخابات، والعكس وارد.
هذا في المجتمعات الديمقراطية الطبيعية الصحية، أما ما هو واقع في سورية ومعظم البلدان العربية فهو يختلف كلياً عن هذا التوصيف ومعظم ما نراه من أحزاب وتنظيمات سياسية وبرلمانات شكلية لا يعدو كونه عبارة عن عمليات تجميلٍ سخيفة هزيلة وممجوجة لتلميع صورة الدكتاتور المستبد وإظهاره بمظهر "المنفتح والشرعي والديموقراطي"!
لا ريب أنه يستوجب علينا احترام الرأي الآخر واحترام من يختلف معنا في رؤيته الفكرية والسياسية وهذه حالة صحية سليمة يجب تعميمها وتنميتها والعمل عليها كما هو الحال مع المعارضة في الدول الطبيعية، حيث يجب عليها احترام من تعارضه من زعيم أو حكومة أو تنظيم سياسي، لكن كل ذلك لا ينطبق مطلقاً مع نظامٍ كنظام الأسد، ولا يستوي الأمر اليوم وبعد كل ما جرى من مجازر وكوارث أن تنبريَ جهة أياً كانت وتدعي أنها معارِضة لهذا النظام القائم والمفروض قسراً على رقاب السوريين، فالتوصيف المنطقي الوحيد المقنع للحالة مع تلك العصابة هو العداء، نعم هي عصابة مجرمة وعدوّة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذا هو عداء وليس مجرد معارضة لفكر سياسي أو أسلوب إداري أو خدمي .
وإن كل من يقول بأن الثوار الذين يحملون السلاح كي يدافعوا عن أنفسهم وأهلهم وأعراضهم وممتلكاتهم أنهم مسلحين إرهابيين أو خارجين عن القانون ويبرر للنظام المجرم قتلهم هو خائن وعميل للنظام، وكل من يقول عن الجنود المنشقين والجيش الحر أنهم يمارسون العنف والقتل ويرهبون النظام المجرم هو خائن وعميل لهذا النظام المجرم، وإن أحسنا الظن ببعضهم فهم مراهقون سياسيون وحمقى.
وخاصة أولئك الذين ما انفكوا يطالبون حتى اليوم بمجرد النضال السلمي بعد كل تلك السنوات من القتل الممنهج والتغيير الديموغرافي وتصفية المعتقلين المخالفين بالرأي لنهج السلطة وتسلطها وفسادها وإفسادها وتفريطها بأرض الوطن ومقدراته، وما زالوا يصرون على إمكانية الحوار السياسي مع القتلة والمجرمين والمحتلين!
فالمعارضة تتشكل في بيئة صحية مستقرة للدول وتكون معارِضة لأسلوبٍ في الحكم يمكن أن يكون شبه جيد لكن المطلوب من صاحب الحكم والأسلوب أن يكون أفضل وأرقى وأجود، تلك هي المعارضة الطبيعية وهي كما يبدو غير متوفرة بشكل كبير في الحالة السورية في هذه الفترة.
محمد علي صابوني
كاتب سوري