اختطاف لبنان 


 

اختُطفت دولة بحجم لبنان وإمكاناتها وأُقحمت في صراعات أكبر من حجمها وقدرتها ومن غير فائدة تعود على اللبنانيين ومستقبلهم، وجعلوها أحد مراكز الصراع لحسابات الآخرين والإيرانيين بالدرجة الأولى، فعوضاً من أن تتجه لبنان للتنمية والنهوض لتكون كما كانت سابقاً بل أفضل مما كانت مركزاً للثقافة والفن والفكر والآراء والصحافة والاعلام الحر، وكانت ملاذ أفئدة المثقفين العرب، فتحولت لتتشكل فيها دولة داخل دولة وتتدخل في الدول العربية وفي صراعات المنطقة العربية مع إيران ذات الأطماع التوسعية ولصالح إيران، فشوهت لبنان بصورته الرائعة الناصعة وقتلت التنمية والازدهار وزاد في الطنبور نغماً بوجود طبقة سياسية فاسدة حكمت لبنان، وكان همها كل شيء إلا لبنان، فظُلم لبنان مرتين.

ثم اندلعت الثورة الشعبية في 17 تشرين الأول/ أكتوبر2019/ واستمرت أشهرًا عدة، طالبت برحيل الطبقة السياسية الحاكمة كلها، المتهمة بالفشل والفساد والهدر، وتزامنت مع الاحتجاجات العراقية والسورية المستمرة أصلاً وهذه الدول الثلاثة يبدو أن معاناتها واحدة وتختلف الدرجات من العبث الإيراني والطبقة السياسية الفاسدة، ويُتوقع أن تنطلق احتجاجات جديدة، بدأت ملامحها لكن يُعتقد بأنها ستكون أكثر تصميمًا على رحيل الطبقة السياسية الفاسدة، ويُخشى أن تنزلق نحو العنف.

كان من نتائج الانفجار المباشرة، وحتى هذه اللحظة، تدمير ميناء بيروت، ونحو ثلث مدينة بيروت، ووفاة قرابة 200 لبنانيًا، وإصابة أكثر من 6000 مواطن، وما يزيد على 21 مفقودًا، وتشريد أكثر من 300 ألف. هذا ليس حدثًا عرضيًا أو بسيطًا وسيكون له أثره على مستقبل لبنان ومنعطف في تاريخ لبنان لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه.  وأياً كان سبب التفجير من الإهمال والتقصير أو العمد والافتعال أو التناسي عن قصّد بوجود مواد شديدة الانفجار في ميناء بيروت، إلا أن هذا يشير إلى فساد وعدم قدرة هذه الطبقة أن تدير هذه البلاد لأن البلد أصلاً ليست بحساباتها، وحزب الله يستعمل لبنان لأهداف طهران وليس لأهداف ومصالح لبنان.

أما المجتمع الدولي، فهو ذاهب حاليًا لاستثمار الحدث في الحسابات والتجاذبات ومواطن النفوذ أكثر منه كتعامل مع التفجير ذاته والنتائج المباشرة له وإسعاف لبنان، ونتيجة فقدان ثقة الشعب اللبناني بطبقته السياسية لوحظ التجمهر حول أي مسؤول أجنبي زار لبنان.!

وأمام اللبنانيين هذا العمل الدؤوب والإصرار من أجل سحب لبنان من هذا الاختطاف عبر صعود طبقة سياسية من الشعب ذات كفاءة ونزاهة ويعيش لبنان في وجدانهم وليس فقط يعيشون في لبنان بأجسادهم، وتلتف حولها الجماهير وتحظى بتأييد عربي وإقليمي تنتشل لبنان من هذا الاختطاف وتبني المؤسسة العسكرية والأمنية لحماية لبنان وليس مليشيات تسيء للبنان بذريعة المقاومة والممانعة التي قصمت ظهر لبنان، وربما إن الذي يسهل على لبنان ليكون بخير هو أن تكون سورية بخير، فالشكل الجغرافي لسورية ولبنان هو شكل الأخ الأكبر الذي يحيط بالأخ الأصغر، وشعب لبنان يستحق حياة أفضل فهو شعب أثبت نجاحه في دول الاغتراب وقدرته على النجاح وحبه للحياة. وربما قدرنا السعي والنضال الطويل للتحرر من الاستعمار ثم من الاستبداد والفساد معاً.

 

د- زكريا ملاحفجي

كاتب سوري


 

Whatsapp