الثورة تولد من رحم الأحزان


كم هي دقيقة وعميقة تلك الجملة التي أبدعها قلم وخيال الشاعر السوري الكبير الراحل نزار قباني " إن الثورة تولد من رحم الأحزان " ... كم هي واقعية ومعبرة.. كم هي أصيلة.. كم هي إنسانية ...استغربت – كما الجميع – من التصرف الصبياني الساذج إلى حد الغباء الذي قامت به سلطات الأمر الواقع العابرة بين ركام الحريات المغتصبة على جنبات الطريق المكتظ بالنفايات في لبنان الجريح.. ففي حفل غنائي منقول على الهواء سقطت من الفرقة عمدا تلك الجملة المهيبة.. سقطت وهي لا تدري ربما أنها في حضرة بيروت وفي زمن الثورة.. كان صاحب قرار إسقاطها غبيًا إلى حد الغثيان.. فلا المكان مناسب لسقوطها ولا الزمان.. اللهم إلا إذا تذكرنا من يحكم لبنان في هذه الفترة، حينها فقط يمكننا أن نلمس بعض الانسجام بين القرار والبيئة والزمان والمكان.. إن النموذج الذي يحكم لبنان اليوم (حزب الله والتيار العوني) يقدم تفسيرًا معقولًا لمثل هذا التصرف وغيره من التصرفات التي تفاجئ اللبنانيين كل يوم على مستوى السياسة والاقتصاد والثقافة.

قد يعتبر البعض هذا الحدث سخيفًا ولا يستحق الكتابة عنه، لكن المسألة لها دلالتها ورمزيتها البعيدة عندما تحصل في بلد كانت حرية التعبير والثقافة هي أهم ما يميزه عن محيطه، وفي زمان انفجرت فيه ثورات الشعوب في معظم بلدان المنطقة دفاعًا عن تلك الحرية وسعيًا لامتلاكها.. ما الذي حصل حتى تنقلب الآية وتتحرك الشعوب المجاورة نحو الحرية في ذات الوقت الذي تتقلص فيه مساحة الحرية في لبنان.. إنها مسألة خطيرة وتدل على تحول عميق في بنية الفكر السياسي والتوجه العام للدولة الصغيرة..

إن وقوع السلطة والقرار السياسي في يد حزب الله (الطائفي) والتيار العوني (العنصري) يفسر هذا التحول ويقدم إشارات مخيفة لما سيحصل في المستقبل لو استقرت السلطة لهذا الثنائي.. إن التحالف بين العنصرية الفجة والطائفية المتوحشة سينتج مولودًا مشوهًا ومخيفًا وربما معاقًا يحتاج إلى رعاية ومراقبة مستمرة خوفًا من التخريب الذي سيلحقه بكل ما حوله. إن هذا التحالف يقود لبنان رويدًا رويدًا نحو النظام الشمولي المستبد والاشارات على هذا المسار عديدة لمن يتابع الشأن اللبناني. لكن ترويض الشعب اللبناني الذي تعود الحرية أمر في غاية الصعوبة خاصة في زمن الربيع العربي والثورات العربية عمومًا والسورية خصوصًا ضد الأنظمة الشمولية والتي يشكل حزب الله ركنًا مهمًا من أركانها في المنطقة.

إن كثرة الضغط تولد الانفجار، والثورة انفجار.. وإن الضغوطات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والطائفية) التي يتعرض لها الشعب اللبناني باتت أكبر من القدرة على استيعابها، وإن الموقع الذي جر حزب الله لبنان إليه، وتورطه غير المبرر في المستنقع السوري واليمني – كرمى عيون الولي الفقيه الإيراني – قد خنق اللبنانيين ووضع لبنان على حافة الهاوية والانفجار.

بيروت بعد الانفجار حزينة، ذلك أن مشاهد الدمار والأشلاء يحرق القلوب والسوريون أكثر من يفهم معنى الدمار وأثر الدماء والأشلاء. لكنها أيضًا قبل الانفجار حزينة. حزينة لأن شوارعها الجميلة باتت مكبًا للنفايات تمامًا كما قصور الرئاسة والبرلمان والسرايا فيها. حزينة لأن الاستبداد بدأ يتسلل إليها بعمامة سوداء تعكس سواد القلب والفكر والأفق.. حزينة لأن الجوع كشر عن أنيابه فيها وبدأ يلتهم أبناءها دون رحمة.. بيروت اليوم حزينة إلى حد الإغماء.. والثورة تولد من رحم الأحزان.

إن الطغاة الذين يخشون من سماع كلمة الثورة في الأغاني والخطابات محكومون بمواجهتها في الشوارع والساحات. 

 

د- معتز محمد زين

كاتب سوري

 

Whatsapp