بعد أيام تحل الذكرى السابعة لمجزرة الكيماوي في ريف دمشق وغوطتها الشرقية، التي قتل فيها (1400) مواطن سوري مدني تقريبًا، معظمهم من الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن، في يوم من أشنع أيام القتل المعلن خلال عشرية الموت والإبادة التي تعرض لها شعبنا السوري، وما يزال دون توقف، تحت رايات وأعلام مختلفة، دولية وإقليمية وميلشياوية.
كان يمكن لتلك المجزرة، التي وقعت يوم 21 آب/ أغسطس 2013، أن تضع نهاية لنظام الأسد لولا التردد الأميركي في حينها، وتحديدًا الرئيس باراك أوباما، لاعتبارات غير مبررة تتعلق بشخصيته وسياساته، إضافة لحزمة قضايا تتعلق بمصالح داعمي الأسد العلنيين والمستترين، الذين أصبحوا واضحين ومكشوفين للعالم أجمع، ويعرفهم شعبنا دون عناء تفكير، أو تبصر بمجريات ووقائع ما حدثوتفاصيله.
لقد كسرت مجزرة الغوطة كل المحرمات القانونية، أمام الأسد الصغير، وشجعه الصمت الدولي، بل التواطؤ، على تكرار استخدام هذا السلاح الرهيب ضد شعبه، في أكثر من مكان، كلما كان عاجزاً عن تحقيق انتصار ذا قيمة ما، أمام صمود الثوار وبسالتهم في الدفاع عن مناطقهم المحررة، ما دفعه إلى تكرار فعله الشائن في ريف دمشق مرة أخرى، وفي ريف إدلب وحماة وحلب.
صحيح أن التحقيقات الدولية قد جرمت نظام الأسد على استخدام هذا السلاح الفتاك، والمحرم دوليًا، في بعض المناطق الأخرى التي جرى فيها استخدام السلاح الكيماوي، مثل تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي صدر يوم 8 نيسان/ أبريل الماضي، إلا أن المجزرة الكبرى بقيت حتى الآن دون عقاب لمرتكبيها، وهم هنا المجرم الكوني بشار الأسد وزمرته، ليس إلا.
تفاوتت الأرقام الموثقة عن تلك المجزرة البشعة التي تجاوز عدد المصابين فيها ال 6000بين حالة إغماء جراء استنشاق الغاز السام والموت اختناقًا (355 بحسب منظمة أطباء بلا حدود) والآلاف بحسب مصادر أخرى (تقرير سري للاستخبارات الأميركية قال: إن عدد الضحايا تجاوز ال 1400شهيد).
وفي كل الأحوال فان الأرقام المرعبة والصادمة في إطار الحرب المفتوحة والشاملة التي شنها النظام على شعبه منذ منتصف آذار/ مارس 2011، ولاتزال مستمرة حتى الآن، بأكثر من شكل وعلى أكثر من صعيد، الأخطر منها هو جسارة النظام على فعله وتكراره دون خوف من عقاب أو حساب، وبقاؤه على كرسيه، حتى الآن، أمام المجتمع الدولي الذي ما زال يمنحه اعترافًا قانونيًا، ويتعامل معه كطرف شرعي، بدل أن يواجه حكم العدالة الدولية، ويعامل كمجرم حرب من مستوى هتلر. لانقول جديدًا باعتبار تلك الجريمة الموصوفة، وغيرها الكثير، تدخل في نطاق جرائم الإبادة والحرب ضد الانسانية، وقتل مئات ألوف المدنيين الأبرياء الذين لاذنب لهم.
شكل الأربعاء الكيماوي في الغوطتين يومًا مفصليًا في تاريخ الثورة السورية، وكشف عن قوة وأهمية النظام السوري ضمن النظام الأمني العالمي، الممسوك بإحكام من اللاعبين الدوليين الكبار، الذين لا يقبلون تحت أي اعتبار هز النظام الأمني القائم، أو اللعب فيه، كما عرى كثيراً من القيم والمنظمات الحقوقية الدولية والمعنية بقضايا الإنسان، وكشف عن أبعاد جديدة في طبيعة النظام الدولي وطغيانه، وبعده عن حقوق الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة والمساوة، وحق الحياة أولاً وأخيراً.
لعل انفجار الموت الرهيب في مرفأ بيروت، مؤخرًا، وملابسات تخزين نترات الأمونيوم في مينائه تفتح الباب واسعًا أمام تحقيق دولي تشير أصابع الاتهام فيه لحزب الله اللبناني، حليف النظام السوري في القتل والاجرام، وعلاقة ذلك بما يتعرض له شعبنا على أيديهم، فيعاد فتح الملفات المسكوت عليها إنصافًا للضحايا وذويهم، وإحقاقًا للحق الذي لطخ عاره جبين الإنسانية في هذا الطور من مسارها، وفي عالم غدا صغيرًا تتداخل فيه قضاياه مثل الأمن والغذاء والصحة، وبعد أن أصبح خلاص العالم من هذه المنظومة بكل تكويناتها ضرورة حياة للملايين، وضرورة قصوى لأمن وسلام العالم. ما جرى في بيروت ليس بعيدًا عما جرى بالأمس في الغوطتين. ما أشبه اليوم بالبارح، وما أقصر المسافة بين بيروت ودمشق.!
عبدالرحيم خليفة
كاتب سوري