أحجية


 

في صباحٍ تداعى

بل في صباحٍ من الأمنياتِ تداعى

بل في صباحٍ تداعى من الأمنياتِ الكئيبةْ

ممزَّقاً في الصمتِ كنتُ

أفتّشُ في صدى روحي المباحةْ

عن سويعاتٍ جميلةْ

* * * 

لروحي وقعُ خطى النملِ

أو للنملِ وقعُ خطايَ .. في الثواني الكالحات

تمشي ولا تمشي 

ولا تصلُ

* * *

أنا الآن انكسارُ الظلِّ في المرآة

أفتّشُ في صدى روحي لروحي عن صديقْ

يفاجئني انعكاسُ الضوءِ في الغربِ الجنوبيّ

أحتمي في الظلِّ خوفَ الخوفِ

أو خوفَ الخليفةِ ربمّا 

أو خوفَ نفسي

إنّ للدودِ صدىً أقوى من الأفعى

وأقسى من حدودِ الغاصبينْ

* * *

لابساً ثوبَ انحسار الشّمس

أوغلُ باتّجاهاتِ الرّياح

كي أفَتّشَ عن بشرْ

قد سئمتُ الكونَ في هذا الصّباح

قد سئمت الكونَ من هذا الصّباح

أرتدي نفسي وأمشي في مساماتِ الضجرْ

* * *

في الشارعِ الخلفيِّ للمنفى

ألمحُ معطفاً متعثّراً

على قدمين من قصبٍ

ويجرُّ هيكل

كان طيفاً لصديقِ الأمسياتِ

رأيتُهُ

عيناهُ شاردتانِ ..غائرتانِ ..

باحثتانِ عن شيءٍ خرافيٍّ

يبادلهُ المحبةَ والإخاءْ

عيناهُ تحتفرانِ يوماً سوف يأتي

ويقتلع الجذورَ من الجذورِ إلى الجذورْ

* * *

في حضن هذا الواله المتعثّر ارتميتُ

لملمتُ عن عينيهِ من سهرِ الليالي ما استطعتُ

ربتُّ على أضلاعه نفسي

لملمتُ آهاتٍ على شفتيهِ تخرجُ من فمي

* * *

هي حالةٌ للحبِّ

هي حالةٌ للحبِّ أو للقهرِ

أو هي حالةٌ للحالةِ المستعصيةْ

من ذا يفسّرُ غربةَ الأوطانِ في قلبِ الوطنْ

من ذا يحلّ الأحجيةْ؟

* * *

هي حالةٌ للرّفضِ

أو حالةٌ يغدو الصديقُ بظلّها ظلاًّ لصاحبهِ الكئيبْ

هي حالةٌ قد أوشكتْ نعتادُها

مثلَ النساءِ ـ التبغِ ـ أو لسعِ اللهيبْ

هي حالةٌ فيها انحباسُ الصوتِ تعبيرٌ ونار:

يا إلهَ الصّمت ثرثر

قد سئمْنا الانتظار

نحن من خوفٍ تعوّدْنا على بترِ الحوارْ

* * *

يا صديقي أنتَ وردةْ

وردةٌ سوداءُ تجهلها الفراشاتُ المنفّجةُ العروق

يعرفها الغَجَرْ

يا صديقي

أنت في صحراء عمرنا نخلةٌ

لا يستضيء بظلّها قُوّادُ هذا الكونِ .. لا أحدَ

لا أحدَ سوى الشعراءِ من مدنِ التوحّشِ

والتوجّسِ

والإماراتِ الغبيّةْ

يطلبون الغيثَ من وجعِ المطرْ

* * *

 

يا صديقي أنتَ في وديانِ قهركَ صخرةٌ صماّءُ

تنحتها الرياحُ لكي تُشَكَّلَ

كي تُلوَّنَ

كي تصيرْ

ثمّ تبقى خارجَ التّكوينِ

تبقى كالسّؤالاتِ العصيّةِ .. من حجَرْ

ماءٍ وطينْ

ماءٍ وطينْ

* * *

يا صديقي

أنت والليلُ غريبانِ

يذهبُ الليلُ إلى الليلِ لكي يأتي النهارْ

وتبقى وحدَكَ

ثمّ وحدك كانبهاراتِ الصّبيّةْ

في ليالي العرسِ والفرحِ الطفوليّ الشديدْ

ثمّ وحدكَ في متاهاتِ الظّلامْ

* * *

عمّ تبحث؟

عن وطنٍ جميلٍ لا يبعثرُكَ شظايا

في نفاياتِ القمامةْ

عن وطنٍ لم يجرحِ الباغونَ دمعتهُ؟

عمّ تبحث؟

أعن أنثى تُخاصِرُكَ همومَ العمرِ يا ولدي؟

ألفُ امرأةٍ ترتادُ صوتَكَ

ثمّ وحدكَ

يرتديك الليلُ ليلكْ

تنفثُ الآهاتِ عاليةً

لكي ترتاحْ

ولكنَّ الصّدى مرٌّ 

ولكنَّ الصّدى مرٌّ

ولكنَّ الصدى مرٌّ 

كرائحةِ الجراحْ

* * *

فعمّ تبحثْ؟

عيناكَ مطفأتانِ

هل هو الخوفُ المبستَرُ في جفونِكَ يغتلي

أم إنّه التعبُ الذي قد هزّ في جفنيكَ 

كأساً من نعاسْ

جُرِحَ الزمانُ ـ الأغنيةْ

من ذا يحلّ الأحجيةْ؟

ذروةُ الوقتِ المكانْ

ونحن الآن في منفى

ذروةُ المنفى الوطنْ

حيث على زَبَدِ الشّفاهِ المالكهْ

ما نحنُ إلاّ مضغةٌ مستعصيةْ

** ** **

عيناك مطفأتان

هل تنشر انتباهكَ الرقيقَ باتّجاهِ السنةِ الجديدة 

وتنحني لتوقظَ القمرْ

لينحني الدّقائقَ الأخيرة

ويُمعنَ النّظرْ؟

* * *

يا صديقي 

سدّدِ انتباهَكَ الشفّافَ لا تهربْ

كلُّ شيء في زمان

كلُّ وقت في مكان

وكلُّها أرضُ الإلهْ

* * *

لَهَفي عليه أجرّهُ فيفرّ منيّ

لائذاً بالصمتِ كنتُ

وعلى كتفيه ارتميتُ

أومى إليَّ: قد قيلَ ما يُقالْ

ثمّ

سارَ في دربٍ وسرتُ

هي حالةٌ للحبِّ أو للقهر

أو هي حالةٌ للحالةِ المستعصيةْ

من ذا يحلُّ الأحجيةْ؟

من ذا يحلّ الأحجيةْ؟

 

د. محمد جمال طحان

Whatsapp