تلامذةُ الشَّيطانِ 


 

لم نكد ننتهي من أداء صلاة الفجر، حتَّى طرق الباب!!، نظرنا إلى بعضنا بقلقٍ، فنحن أغرابٌ من السُّنَّة، في مدينة معظم سكانها من الطائفة العلويَّة.

كنَّا أربعةً من طلبة الجامعات، يجمعنا نسغٌ حيٌّ واحدٌ موصول بشريان نهر الفرات، فنحن من ذات المدينة الَّتي تغفو بأمانٍ على شاطئه.

طُرق الباب مرَّة أخرى.

قلت لأصدقائي:

  •  سأفتح أنا، لابدَّ أنَّهم أطفال الجيران في الطابق الأعلى قد أوقعوا كُرتَهم في حديقتنا كالعادة، فهُم معتادون على اللعب في هذا الوقت، وأنتم انهضوا لمراجعة ما تبقَّى من محاضرات قبل الذهاب للامتحان.

فتحتُ الباب، ففوجئتُ بخمسة من الرجال المدجَّجين بالسلاح يقفون أمامي.

خاطبني أحدهم بغلظة قائلاً:

  • لدينا بلاغٌ مقدَّمٌ من فاعلِ خيرٍ يقول أنَّكم من الجماعات الارهابيَّة التي تعيث فساداً في البلد، لذلك سنفتِّش المنزل حتَّى نتبيَّن حقيقة الأمر.

ثمَّ دفعني بقوَّة بعقب بندقيَّته للدَّاخل بينما تسلَّل رجاله من ورائه، وأغلقوا الباب خلفهم.

قادونا جميعا بالقوَّة باتِّجاه الصالة الداخليَّة للمنزل، وطلبوا منَّا أن نستدير بوجوهنا نحو الجدار ونجثو، وهم يهدِّدون ويتوعَّدون.

كنت أسمع صوت اصطكاك أسنان صديقي الذي بجانبي وهو يرتجف هلعاً، بينما أصيب ابن عمِّي بالتَّصلب وما عاد بإمكانه أن يجثو.

دفعه أحدهم بقوَّة للأسفل، فسمعت صوت ارتطام عظامه بالأرض، بينما سَّبَّابته تهتزُّ مرتجفةً وهو يهمس بالشَّهادتين.

انتشروا في المنزل كالجرذان، وأبقوا واحداً منهم لحراستنا.

بعد ساعة من البحث، نادى أحدهم على الرجل الذي يحرسنا قائلاً: 

  • تعال بسرعةٍ وانظر بنفسك، يا لهم من خونة متآمرين.

وجَّه الحارس خطابه إلينا مهدِّداً:

  •  سأذهب لأرى ما تخبِّئون، وأقسم لكلَّ من تسوِّل له نفسه أن يتحرَّك أو ينظر خلفه، بأني سأرديه قتيلاً.

طالت الثَّواني والدَّقائق، ولم يظهر أحدٌ منهم من جديد.

أخذت أدير رأسي للخلف ببطءٍ، بينما صديقي بجانبي يهمس باكياً: 

  • سيقتلونا جميعاً.

نهضت بهدوء، وأجلت النَّظر حولي، فلم أرَ شيئاً.

تسلَّلت حافياً باتِّجاه الغرف، فوجدتها مقلوبة رأساً على عقب، وباب المنزل مفتوح على مصراعيه، ولا أثر للمداهمين.

أغلقت الباب بسرعة، ورجعت إلى رفاقي نحضن بعضنا البعض، ونهنِّئ أنفسنا على السَّلامة.

عدنا إلى غرفنا بصمتٍ لنعيد ترتيبها، وأرواحنا مقوَّضة من الأعماق، وما هي سوى لحظات، حتَّى تعالى صراخ الجميع.

  • لا نقود، لا هواتف، لا كومبيوترات، ولا ساعات.

اختفت أشياؤنا الثَّمينة كلَّها.

وصارت الأمور واضحة لنا، لقد كانوا يعرفون عنَّا كلَّ شيءٍ، وأنَّنا ننتمي لعائلاتٍ تعيش في دول الخليج، وهذا ما جعل منَّا صيداً ثميناً بالنِّسبة إليهم، والعملية كلُّها سرقة مدبَّرةً منظَّمة.

ما أن بدأت الشوارع تضجُّ بالحركة، حتَّى توجَّهنا لمركز الشُّرطة القريب، حيث قدَّمنا بلاغاً بالسِّرقة للضابط المسؤول.

تساءل الضابط وهو ينظر في وجوهنا الشَّاحبة:

  •  هل تبيَّنتم ملامحهم؟

قلت بهدوء:

  •  سأرسم لك وجه ذاك الذي دفعني بعقب بندقيَّته، فأنا لن أنساه أبداً.

جلست بجانبه خلف الطَّاولة، وأخذت أرسم بتأنٍ، وحين بانت ملامح الرجل، همس الضابط في أذني:

  •  أستطيع أن أقرأ في وجهك الغاضب، ما يجول في فكرك يا بني.

ثم وجه كلامه للجميع قائلاً:

  •  هذا الرجل نحن نعرفه، إنَّه من رجال العصابات، يترأس مجموعة مسلَّحة تنتمي لكلِّ الطوائف والمذاهب والأديان في البلد، لكنَّهم في الحقيقة بلا مذهب ولا دين، وأنتم الشَّباب الواعي أمل الأمَّة، لا تنخدعوا بمؤامرة الطَّائفيَّة التي أذكوا بها نار الفتنة، فكانت السَّبب في هذه الحرب الغاشمة، وتذكَّروا أنَّ أجيالاً تعاقبت على هذه الأرض، وعاشت بسلام وإخاء دون أن يمر بذهن أحد منهم هذه التُّرَّهات.

      هذا الرَّجل لا أحد يتجرَّأ على اتهامه أو الاقتراب منه، ففي خضمِّ هذه الفوضى 

      وظلِّ الحرب وتهميش دور السُّلطة، هذا الرَّجل فوق السَّلطة.

      مهمتكم الآن هي المحافظة على حياتكم، فأنتم لا تزالون في ريعان الشباب،      

      وحياتكم ذات قيمة، لذلك عليكم نسيان هذه الحادثة كليَّاً.

أما أنت أيَّها الشَّاب، فعليك أن تتعلَّم كبح جماح نفسك عند الغضب، وتنسى تلك الملامح التي تحفظها، والتي ستقودك إلى حتفك لو علم بها من يهمهم الأمر.

عودوا إلى منزلكم، واستعدُّوا لامتحانكم، واحمدوا الله على نجاتكم وبقائكم أحياء.

 

افتخار هديب

كاتبة وشاعرة سورية

Whatsapp