أطلقت بعض وسائل الإعلام العربية اسم "بيروتشيما" على أكبر انفجار بعد هيروشيما، والذي وقع في مرفأ بيروت. وبالفعل كانت مشاهد وآثار الانفجار جديرة بأن تقارن بقنبلة هيروشيما. فضلًا عن أن الصدمة التي تشكلت عن هذا الانفجار الذي أودى بحياة 200 شخص تقريبًا، وأكثر من 5 آلاف مصاب، وتدمير أو تضرّر عشرات آلاف المنازل، تستحق بأن يتم تشبيهها بهيروشيما.
إلا أن الاختلاف الأهم بين الانفجارين هو أن لبنان ليست في حالة حرب، كما أن السبب الحقيقي وراء هذا الانفجار لا يزال مجهولًا. من الممكن أن يكون سبب هذا الانفجار قنبلة وما شابه، كما يمكن أن يكون بالفعل نتيجة إهمال تام غير مقصود. ولو كان هذا الهجوم نتيجة تدخل خارجي أو قصف صاروخي مثلًا، فلن يتثنى لأحد البحث عن هذا المعتدي الخارجي، بيد أن إسرائيل كانت ولا زالت هي المشتبه به المعتاد لهذه الهجمات، وإنها جديرة بكل حال وزمان أن تكون موضع شبهة.
لكن سواء كان هذا الانفجار حادثة غير مقصودة، أو كان لإسرائيل دور فيه وهي التي نفت منذ البداية ذلك، فإنه على أي حال من الواضح أن ذلك سيجعل إيران أكثر انتباهًا لدورها في لبنان الذي تمارسه عبر حزب الله، وأن تعيد النظر حتى في دورها الذي تمارسه في العالم الإسلامي. لأن حزب الله حتى وإن قال بأن مخازن نترات الأمونيوم لم تكن هي نقطة الانفجار، فإن المرفأ في النهاية كان تحت تحكمهم، وبالتالي ليس لهم تبرير يقدمونه حول كيفية إحضار هذا الكم الهائل من هذه المواد للمرفأ دون علمهم، ولذلك السبب كان الحزب هو المتهم الأول بنظر الشعب اللبناني والمتسبب بغضبهم لهذا الحد.
إن هذا الحدث الكبير كان دافعًا لأن يكون حزب الله وللمرة الأولى تحت مساءلة مباشرة من الشعب اللبناني عن الدور الذي يمارسه في لبنان. حيث أن بيروت هي واحدة من عواصم سنية أربعة يتحكمون بها ويقولون ذلك بفخر. بيد أن هذه العواصم لم تر منهم سوى الدمار والقتل وانعدام الاستقرار المستمر. وفي الحقيقة لا نفهم سر هذا الافتخار الذي يتحدثون عنه. ولا أحد في الحقيقة الآن يمكن أن يظن خيرًا بإيران ودورها في لبنان بعد هذا الحدث.
سرعان ما سمعت تركيا بهذا الحدث الجلل حتى أسرعت نحو تعبئة عامة عبر مؤسساتها الإغاثية مثل هيئة الإغاثة والهلال الأحمر وآفاد وغيرها من منظمات المجتمع المدني، لتقديم المساعدات اللازمة. وكان أول رئيس يتصل بالرئيس اللبناني ميشيل عون هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس أردوغان يقدم تعازيه لنظيره اللبناني، كانت طائرات المساعدات التركية قد أقلعت من تركيا لتحط في بيروت وتفرّغ حمولاتها من المساعدات الإنسانية.
لقد أكد الرئيس أردوغان لنظيره اللبناني عون أن تركيا عبر جميع إمكانياتها تقف إلى جانب لبنان وشعبها الشقيق. وفي اليوم التالي ترأس نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي مع وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو وفدًا لزيارة بيروت وتقديم يد العون والمساعدة. ولقد أعلن الوفد أن طائرات الإسعاف التركية على أهبة الاستعداد لنقل الجرحى والمصابين، كما أن المستشفيات التركية تحت خدمتهم، وفضلًا عن ذلك أعلن الوفد أن ميناء مرسين مفتوح أمام لبنان لتلبية احتياجاته إلى حين عودة مرفأ بيروت للخدمة من جديد.
هناك استعداد واضح في تركيا إزاء الكوارث الطبيعية أو الاجتماعية التي يمكن أن تحدث في البلاد، ولقد أظهرت تركيا على مدار سنوات عديدة أداءً يصلح أن يكون أنموذجًا للعالم في التعامل مع الأزمات التي نشأت عن موجات الهجرة من سوريا بسبب الحرب. فضلًا عن ذلك فإننا نرى تركيا كدولة تقع على خط زلازل، تمتلك تجربة فريدة في عمليات الإنقاذ ومواجهة الكوارث الطبيعية. إن وصول أول فريق مساعدات إلى لبنان مصدره تركيا، يتماشى مع طبيعة العلاقات والجذور الثقافية الضاربة في التاريخ ما بين البلدين.
إن تركيا لم تقدم هذه المساعدات بناء على أي حساب ما، بل حينما تحترق بيروت فإن قلوب الشعب التركي تحترق كذلك. حينما يتعرض أحد ما سواء في بيروت أو دمشق أو طرابلس أو بغداد لظلم واضطهاد، فإن ابن إسطنبول وعنتاب وأنقرة ومرسين ويوزغان يشعر بألم ومرارة ذلك. أما أن يشعر بذلك الرئيس الفرنسي الذي يطمح أن يكون نابليون عصره، فهل هذا ممكن؟.
كان الرئيس الفرنسي ماكرون في لبنان قبل يومين من زيارة الوفد التركي. ولقد حظيت بالاستماع لكثير من تعليقات المتابعين العرب الذين قارنوا بين هاتين الزيارتين، تلك التعليقات التي تعكس مشاعرهم. ومن بين هذه التعليقات الكثيرة، تعليق لصحفي عربي، يقول:
“جاء ماكرون بغروره وغطرسته الاستعمارية، ولقد تعرض الرئيس اللبناني للإهانة من طرفه، تصرف بعدم احترام، وحاول استخدام تنافسه مع تركيا كآلة يستغل فيها الشعب اللبناني المكلوم. كان يبدو وكأنه يحاول سرقة بضائع بين كومة نيران، ما الذي قدمه للشعب اللبناني من هذه الزيارة، هل أحد يعلم؟ لقد جاء وكأنه صاحب أمر ونهي في لبنان قدّم تعليماته للشعب ثم رحل، دون أن يعطي شيئًا ملموسًا. وعلى الرغم من أن لديه حسابات في لبنان يلعبها عبر الموارنة، إلا أنه قام بأكبر إهانة للرئيس اللبناني الذي هو من الموارنة ذاتهم، خلال المؤتمر الصحفي الذي قام به. أما الوفد التركي الذي جاء نيابة عن الرئيس أردوغان، فإنه لم يأت إلا بعد إرسال المساعدات وتقديمها للناس. ولقد تم استقبالهم بحفاوة كبيرة من قبل الشعب اللبناني كما كان متوقعًا. مع هتافات تعبّر عن الحماس الكبير والامتنان للرئيس أردوغان".
إن همّ تركيا الوحيد من تلك الزيارة كان تضميد جراح الشعب اللبناني الشقيق، ومساعدة لبنان للقيام والنهوض من جديد. إلا أن ماكرون كانت حساباته وألاعيبه التي لا يمكن إخفاؤها تدور من حوله مفضوحة. بل إنه حتى خلال هذه الزيارة لم يستطع إلا أن يفصح من تحت الأنقاض عن مشاعره ضد تركيا.
وأيضًا في ليبيا، أيًّا كان الشيء الذي يبحث عنه تحت أو فوق الأنقاض، فإنه لن يعثر عليه منذ هذه اللحظة، لأن هذه المرحلة لم تعد لصالح "نابليون" جديد، علمًا أن ماكرون لا يمكنه أصلًا أن يكون نابليون.