عندما تصبح الخيانة وجهة نظر تتراجع المبادئ أمام المصالح الضيقة


 

    محاولًا الخروج من أزمته قبل انتخابات التجديد الرئاسية بعد تراجع شعبيته ووصول البطالة إلى أعلى معدلاتها عبر 33 مليون عاطل يطلبون إعانات، ودعمًا لرفيقيه نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد والرشاوي مما يهدد وجوده في رئاسة الوزراء وينهي حياته السياسية، ومحمد ولد زايد الذي يعاني من مشاكل داخلية وخارجية جمة، ليس أولها حرب اليمن وليبيا وسورية، وليس آخرها الوضع المالي المتدهور للإمارة نتيجة مغامراته المرفوضة من شركائه في الدولة، ومن المجتمع الدولي. يعلن الرئيس الأميركي ترامب من شرفة البيت الأبيض، التوصل بين الثلاثة المأزومين إلى اتفاق كامل للتطبيع الكامل بين إسرائيل ودولة الإمارات في كافة المجالات وصولاً إلى تبادل السفراء، وأن التوقيع على ذلك سيتم قريبًا في واشنطن.

    كما أعلن كل من نتنياهو وابن زايد عن هذا الاتفاق، برره ابن زايد بأنه لوقف ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية، ليسارع نتنياهو ويقول إنه تأجيل وليس وقفًا، وبطلب أميركي وليس إماراتي.

   هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا لأن الإمارات ومنذ عام 2005، تقيم علاقات بشكل أو بآخر مع العدو الصهيوني، لتأتي الخطوة إعلانًا لأمر كانوا يحاولون تمريره من تحت الطاولة باستحياء إلا أن الوقت لم يعد يسعفهم بالتأجيل فهم الآن أصبحوا بحاجة لإعلانه لاستثماره في الانتخابات الأميركية وفي الوضع الداخلي للكيان الصهيوني.

    ضرب ابن زايد عرض الحائط بالإجماع العربي الهزيل  الذي أجمع على مبادرة سعودية{ مبادرة الأمير ـــــــــ الملك }في قمة بيروت عام 2002 التي قالت بالأرض مقابل السلام والتطبيع مع العدو، والتي رفضتها إسرائيل لترفع بدلًا عنها شعار السلام مقابل السلام، أي السلام مقابل لا شيء إلا أن القمة مازالت متمسكة بمبادرتها ومع المبادرة السعودية التي تبنتها القمة جاء قرارها بتبني شبكة الأمان لدعم السلطة الفلسطينية حتى لا تنهار  وذلك برصد مبلغ 800 مليون دولار سنويًا لدعم السلطة إلى جانب الإعانات السنوية المقرة في قمة بغداد لمنظمة التحرير عام 1978، ومما يلفت النظر أن تلك القمة لم يحضرها الرئيس عرفات والذي كان محاصرًا في مقاطعته من قبل شارون  ولم تتحرك القمة من أجل ضرورة حضوره لمناقشة أمر يخص شعبه الفلسطيني، أوردنا ذلك لنقول أنه تحت ضغط أميركا الداعمة لإسرائيل  المعادية للعرب. لم يستمر التزام القمة بشبكة الأمان تلك ولم يبق من الدول العربية من يدفع التزامه بها إلا الجزائر. يعني هذا أن هذه المبادرة التي أطلقها العرب في قمتهم سرعان ما أسرعوا بخرقها. حتى إن السلطة طلبت قروضًا من الدول العربية في حال عدم تنفيذ شبكة الأمان، وتعهدت السلطة بتسديد الديون عند إفراج إسرائيل عن أموالها المحبوسة إلا أن طلبها رفض. ومن المعيب أن أصدقاء الشعب الفلسطيني من دول غربية وإسلامية تقوم بدعم فلسطين بأشكال متعددة بعد تخلي الأشقاء العرب، تعويضًا عن تلك الشبكة الكاذبة.

    تراجع الصراع العربي ــــــــــــــ الصهيوني من لاءات  الخرطوم الثلاث: لا صلح لا تفاوض لا اعتراف إلى اتفاق كامب ديفيد الذى أرسى صلحًا بين النظام المصري {نظام الردة الساداتي }وبين العدو والذي نراه مستمرًا إلى الآن بأشكال متعددة، لم يعد عدونا مستوطنًا لأرضنا فقط، بل إنه استوطن داخل أنظمتنا الحاكمة، ففي 6 مارس/آذار 1991 قال جورج بوش معلنًا انتصار "الحلفاء "على العراق" في هذه الحرب وقفت عدد من الدول العربية مع إسرائيل في معسكر واحد ضد عدو مشترك" وما كان هذا العدو المشترك إلا البلد العربي {العراق } مدللًا بذلك على أن هذه الحرب اخترقت مقومًا أساسيًا من مقومات وحدة الأمة والتزامها القومي بقضيتها المشتركة في مواجهة إسرائيل وحليفها  الأميركي الكبير.

لعل أم النكبات في مسيرتنا هي كياناتنا وأنظمتنا القطرية الذي يُراد لها أن تظل واقعنا الأبدي. لم تأت الخطوة الإماراتية من فراغ  فهي دويلة مأزومة وترى في إسرائيل سندها القوي، رغم أنها حليفة لدول قوية، ولكن إسرائيل في أول خطوة بعد اتفاق التطبيع منعت أميركا من تنفيذ صفقة أسلحة للإمارات تحتوي على طائرات إف 35  وقد حسبت الإمارات أنها أصبحت من عظم الرقبة،  وبعد الاتفاق أيضًا تصرح أميركا على لسان وزير خارجيتها الذي زار المنطقة بادئًا من تل أبيب، بأنها تضمن تفوق إسرائيل العسكري على كل دول المنطقة، لن تكون خطوة الإمارات هي الوحيدة فقطار التطبيع يجول في المنطقة ولا شك بأن محطاته متعددة، وفي كل محطة يخسر شعبنا العربي عامة والفلسطيني خاصة موقعًا من مواقعه ضد العدو.

يُضاء برج خليفة في دبي بألوان العلم الإسرائيلي وكأنه بني لذلك. ويُضاء أحد أبراج فنزويلا بالعلم الفلسطيني، قريبًا من الدولة الداعمة لأعداء الشعوب.

 

محمد عمر كرداس 

كاتب سوري

Whatsapp