الحسكة تُعطَّش من "قسد" ونظام الأسد


 

انتشر على صفحات التواصل الإجتماعي هاشتاك (الحسكة تعطش)، بعد أن استمر انقطاع المياه عن مدينة الحسكة التي يعيش فيها زهاء (700) ألف نسمة منذ بداية شهر آب/أغسطس الجاري وليس هناك من مكترث رغم ما تعانيه المدينة من تفشّي الأمراض الناجمة عن سوء التغذية والحرارة العالية وخاصة في هذا الشهر، يضاف إليها تزايد عدد الإصابات بوباء كورونا الأمر الذي دعا ما يسمى " الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" إلى إغلاق المشفى الوطني بالحسكة الخاضع لسيطرتها بسبب إصابة الكادر الطبي فيها بالكورونا.

لكن اللافت بأصوات الاستغاثة التي تخرج على صفحات الفيس والتويتر أنّها تلقي باللوم على تركيا بحجة أن محطة الضخ الرئيسية التي تزود مدينة الحسكة بالمياه موجودة في (رأس العين) التي يسيطر عليها الجيش الوطني المدعوم من تركيا!!، ولكن هل هذه هي حقيقة ما يحصل؟

لكي تتضح الصورة أكثر لابد من معرفة آلية العملية برمتها، عندها يمكن تحديد المتسبب الفعلي لهذه الكارثة، صحيح أن الآبار التي تغذي نهر الخابور قد تم حفرها في حوض نبع الكبريت الواقع في رأس العين والتي كانت غزارتها تصل إلى أربعين متراً مكعباً بالثانية فيما مضى، ومع انخفاض منسوبها اضطرت مؤسسة المياه لحفر بعض الآبار لتعويض النقص الكبير في مياه النبع بالإضافة إلى تركيب مضخات ضخمة عند النبع نفسها لاستجرار المياه منها، ولكن المضخات من الضخامة جعلها تحتاج إلى طاقة كهربائية عالية لتشغيلها، وهذا تطلّب مد خط توتر متوسط من سد الفرات وآخر من محطة توليد الكهرباء في السويدية التابع لحقول رميلان للنفط، وكلا الخطّين الآن يقعان تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية "قسد"، وكان هناك اتفاق بين المجلس المحلي لمدينة رأس العين والإدارة الذاتية بأن يتم تزويد منطقة رأس العين بالكهرباء مقابل تأمين ضخ المياه إلى محطة التصفية في " أم رقبة" القريبة من بلدة تل تمر التي تقوم بدورها بضخ المياه إلى مدينة الحسكة، حيث تقوم مؤسسة المياه بتوزيعها على الأحياء بالتناوب بمعدل مرة واحدة كل أربعة أيام للحي الواحد، حيث يلجأ الأهالي إلى السهر على الأسطحة لمراقبة خزاناتهم أثناء مجيء المياه لضمان امتلائها.

لكن الذي حصل في الفترات الماضية أن الإدارة الذاتية كانت تتلاعب في كمية الطاقة المتفق عليها من جهة ومن جهة أخرى كانت تعمد إلى إيصال الكهرباء بتوتر ضعيف لا يكفي لتشغيل المضخات وهي مزودة بحسّاسات حماية تمنعها من الإقلاع إلّا ضمن الحدود النظامية والآمنة لقيمة الجهد الكهربائي الواصل، وبالتالي فإن الإدارة الذاتية المسيطرة على خطوط الشبكة الكهربائية هي من يقرّر وصول المياه إلى أهالي الحسكة وليس من يسيطر على منابع المياه، ويبدو أن "قسد" قد سارت على نهج النظام في استخدام المياه كسلاح ضدّ الشعب السوري لغايات لا تخرج عن نطاق عملية التهجير الممنهجة ابتداءاً من ارتكاب المجازر ومن ثم حرق المحاصيل الزراعية في عموم المحافظة وصولاً إلى تعطيش الأهالي لدفعهم إلى التفكير ببيع ممتلكاتهم والنزوح إلى مناطق أخرى في الداخل السوري أو الهجرة خارج البلاد، وهذا ما يهدف إليه المتحمسون لعملية التغيير الديموغرافي التي عمل عليها النظام وإيران وقسد، حيث أن الشريحة المستهدفة طوال السنوات التسع الماضية كانت من العرب والسنة بشكل عام، وهذا ماكان قد صرّح به بشار الأسد علانية عندما تطرق إلى المجتمع السوري بأنه أصبح متجانساً أكثر من قبل في إشارة إلى التهجير القسري من الغالبية.

إنّ إلقاء اللوم على تركيا بقضية العطش الذي تعانيه الحسكة اليوم يمكن الرد عليه وتفنيده بأنّ عملية نبع السلام التي أطلقها الجانب التركي لم يمض عليها سنة واحدة بعد والتي نجم عنها طرد الميليشيات الكردية من تل أبيض ورأس العين ولكن ماذا عن السنوات الماضية التي كانت المنطقة برمتها خاضعة للنظام أولاً ومن ثم للميليشيات الكردية المدعومة أميركياً؟ وهل كانت تصل المياه إلى الأهالي بشكل اعتيادي ومنتظم؟ إن لجوء الأهالي إلى حفر الآبار السطحية داخل الأحياء والبيوت يؤكّد أن مشكلة المياه ليست وليدة هذه الفترة وإنّما قديمة، ومحاولة إبرازها على أنها نشأت مع دخول القوات التركية والجيش الوطني هو محض افتراء، والغاية من ذلك محاولة الضغط على الجانب التركي من خلال معاناة الشعب السوري من أجل تحقيق أهداف سياسية تصب في مصلحة النظام و"قسد"، ولكنها تبدو لي لعبة قذرة لن تجدي نفعاً بل على العكس ستنعكس عليهم في الأيام القادمة وتقودهم إلى خسارة أفدح في مناطق سيطرتهم الحالية.

 

 

ياسر الحسيني 

كاتب وإعلامي سوري

 

Whatsapp