يبدو أنه صدق من قال: (الطبع يغلب التطبع) ولو أردنا تعريف الطبع لقلنا هو تكرار العادات والأفكار والوجهة السلوكية للفرد. والإنسان في مهامه وعمله ومسيرته يرسخ القيم والمبادئ التي تتلقفها في آذان ووجدان من حوله. ولكن إن سألنا أنفسنا ما السبب في ذلك؟ نقول: إن أردنا أن نرد الأمر إلى جذوره البكر نجد أن أول ما يبدأ به الإنسان هو التعلم فهو مرهون بوجود ذلك الطفل داخل بيئته ما يشكل عاداته وتطورها في قالب سمته الشخصية العامة.
إن مسألة هؤلاء الأطفال ليس محض تربية وحسب إنما ثلة منهم سيكبرون ويتولون أمر بلادهم وسياستها، الأطفال لا يبقوا أطفالًا إنما تتغير أدوراهم وتتركب في سياق ظروفهم واجتهادهم وبنيتهم النفسية واستعدادهم لمواجهة الحياة فهل نعد أطفال اليوم ليكونوا سياسيي الغد؟ هل نطمح لنهذب طباع أولادنا وبناتنا طلابنا وطالباتنا لتغير بنية الذهنية السياسية في المستقبل؟ هل قمنا بالتركيز والتمحيص في عالم التربية والتعليم والتدريب عما يدفعنا لنوقظ نورًا في ذهنية سياسية ناجحة.
نحن أمام أمر واقع لا مفر منه لنسأل أنفسنا مرارًا وتكرارًا هل نستطيع خلق منافذ سياسية نظيفة بدل تلك التي فتحت علينا النار والبارود وملايين المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية العالقة في فضاء اللا حل.
ماذا لو توقفنا أمام هرم كلمة الحوار وقمنا بفك الأسرار وتحليل ومعرفة صفات وأهمية الحوار لما فيه من خلق الهدوء والأمان النفسي للطفل سواء كان مع الأهل أو مع المدرسين والزملاء عندما تتمكن كمربي من خلق مناخ التحفيز الذهني وتكرار الحوار الهادف مع الطفل ومشاركته أفكاره وبث روح الجمال في الحديث معه من خلال بعض الطرف والحكم والحكايات بدون أن يشوب حديثك معه بعض الامتعاض أو انتقاده بأذى.
اعلم أنك في طريقك لخلق الطباع الجيدة في شخصيته ومع مرور الزمن ستجده يستجيب معك في تفهم قيم تقدير الآخر واحترام الاختلاف والاستماع المؤدب إن رافقته بذات الحماس الذي بدأت معه وفي تحديدك لبوصلة تغيير الذهنية العامة التي يبنى عليها التهيئة في معترك امتلاك الأدوات السياسية المفيدة. فأنت بحاجة لتبحث عن أدق تفاصيله معنى وعي الإنسان مع نفسه مع من حوله، كيف يشارك الإنسان أخيه الإنسان ويعي مشاعره وأخطاءه كيف يدرك حقه تمامًا؟ وأين هو حق الآخرين وحرصه عليه؟
هذه الجزئيات التي تصل مسارات العقل والعلم والعمل معًا فيكمل سلسلة الوعي والإدراك. فأنت لست وحدك كمربي من يقوم بتزكية عقله ونفسه إنما تساعده ليجد أشباهه في المعرفة والسلام وتعاونه من يشاركه الوفرة العقلية التي تبني تراكم خلاصات إيجابية فعالة في المواقف والتجارب المتكررة في الحوارات والسلوكيات التي تحيط بالبيئة المنظومة حوله.
طباع الاتزان ستحول مراهقته إلى مسؤولية ومد جسور لفهم خيوط ما يجري حوله في المجتمع والسياسة ومحاولة الإمساك بجوهر الأمور وترك القشور التي تذهب بثمار مداركه سدى. وأعتقد فعلًا بأن تلك النتيجة طبيعية لأنك قدمت الاهتمام الكامل لكيان وقدسية ملكة عقله عندما بنيت أسس الحوار في مصفوفة هرمية متينة تقوم على منطق محاكاة المسؤولية والثبات ومعايرة مفاصل العمل والسياسة والشأن العام.
لعل الطباع الواعية تحصد السياسة الواعية والطباع الطائشة تحصد السياسة الطائشة، فالأمر بين يديك في سنواته معك أيها المربي ستصنع جزءً من منظومتك السياسية وأنت من ستأخذ بناصيتها للعافية والصحة النفسية.
ملك توما
كاتبة سورية