أمومة الرواية


 

          
 

أعترف وأنا بكامل أمومتي  

من طبعها وبدئها انتبهت الرواية إلى أدقّ التفاصيل، تماماً كأمومة الأنثى التي تهتم بالشاردة والواردة في بيتها. هكذا اتجهت الرواية نحو الأمومة المفقودة ليس في الساحة الثقافية وحسب، إنما في الكون كله. فلا نجد كاتباً بالمجمل إلا وابتدأ بالشعر، أو بالأحرى تمنّى أن يكون شاعراً، ولكن عندما لم يفز بذلك غيّر اتجاهه. 

الرواية نسيج دؤوب تطرّزه أيدٍ ليست بحاجة ماسّه إلى طبع الإلهام، لكنّ الشاعر يكتب بروحه ودمه، فلا يعطيك من العطر إلاّ خلاصته المقطرة التي تأخذ وقتها بالفوح والبوح، لتحفظ كل ما حولها من الزمان والأمان والمكان. لذلك بقيت الملاحم والأعمال العظيمة، وبقيت معها الميثولوجيا التي عملت كجزء لا يتجزأ من مادة الشعر الخام الذي يسبق زمنه، ويتطور بأسرع مما تتحمّله الذائقة المتواضعة، ليبقى الشعر في علٍ لا يصله من المتلقي إلّا من يشابهه، ما جعل البعض ينفضّون عنه ويذهبون إلى الرواية التي تأخذ بيدهم إليها، وهذا ما تُغبط عليه الرواية لأنها لم تتعال على متلقيها ولم تهبط دونه. 

على الرصيف الآخر انفلتت الساحة الشعرية وكسرت رتاج قلعتها عندما فتحت نفسها على السياحة العامة، فدخلها من دخلها وبعضهم تطرّف إلى الحدّ الذي قاد الى نقيضه... بدل أن يطلقوا شعبيتهم وينجزوا عملهم الإبداعي بما يتساوق مع الخاصة والعامة وروح الشعر الطيبة. فحجر الروح هذا، وأعني الشعر، لا يقدح في نفس المتلقي إلّا عندما يلامس وجعه وفرحه. من هنا يبقى الشعر سيد الإبداع شرط أن تأتي به روح متسيدة وعظيمة الأناة والفطرة. لكن الزمن بخيل بطبعه في هذا المجال وربما كريم في المجالات الأخرى خاصة الرواية التي قُيض لها بوابتان فاغرتان على مصراعيهما، الأولى بوابة الحياة والتفاصيل الصغيرة والثانية بوابة التحول السريع الى المرئي وأعني الدراما. 

أخيراً لا بد من تسجيل نقطة في هذا المقام ألا وهي نجاح المرأة الروائية. فالرواية تغلب عليها الجينات المؤنثة التي تقف بجلالة عطائها ككل الأمهات، بينما تتساوى وتتكامل في الشعر الأنوثة والذكورة تماماً كالنبت الأخضر الذي لا يحتاج لغيره كي ينمو ويتكاثر. أرجو ألا أقع في متاهة المفاضلات أو التحزّب مع أنني أعترف وأنا بكامل براءتي بأنني أنتمي إلى حزب الطيور ومعجبة جداً بجلالة الأرض التي منها جبلنا، وإلى موادها الخام نعود.

 

 

ابتسام الصمادي 

شاعرة وكاتبة سورية

Whatsapp