المواطنة في سورية وسبل تحقيقها


تبدو المفاهيم المنتشرة في الأوساط السياسية منذ انطلاق الثورة حتى يومنا هذا، تتبلور يوماً بعد يوم، متلاحقة مع جهود السابقين، ومستفيدة من خبرات الآخرين، وصانعة لمفاهيم جديدة تناسب الحالة السورية وتطوراتها.

السياق الدولي يبدو وكأنه متجه لدعم الاستقرار والسلام في سورية، لذلك من الممكن أن يهتم الشارع السوري اليوم بمفاهيم ومصطلحات جديدة لم تكن تطفو على سطح النقاشات سابقاً، وذلك بسبب سيطرة الحالة العسكريةوتبعاتها التي فُرضت لمواكبة الحالة التي تمر بها الثورة.

نجد أن هناك محاولات متكررة لصياغة الدستور، والعمل على إيجاد حل سياسي، والذي تأرجح طيلة السنوات الماضية، ليأخذ اليوم الحيز الأكبر في سياق الأحداث، وربما سيكون في المرحلة المقبلة هو الحديث بمجمله.

يبدو لي أن الاهتمام بطرح مفاهيم متعددة ضمن إطار التربية المدنية له ما بعده، فالمواطنة التي يعيها السوريون منذ زمن، كانت هي أساس انطلاق ثورتهم المباركة في 2011م، ولكن دون تحديد لمصطلحها، بل الاقتصار على مفاهيم الحرية والعدل والمساواة والعيش الكريم.

وهذا الأساس الذي تقوم عليه دولة المواطنة، وللدستور هنا دور كبير في تدوير هذه العجلة، وذكرت في مقال سابق لي على صحيفة اشراق تحت عنوان "الوطن جامع" أن التاريخ السياسي لسورية، يجعلنا نستنبط دور الأيادي في تشكيل التركيبة التي نراها اليوم أمام ناظرينا، ولن يكون آخرها ملف الدستور الآن.

وهذا ما يجعلنا نتخوف من التدخلات الدولية والاحتلالية لصياغة دستور لا يناسب تطلعات السوريين إنما يفرض عليهم فرضاً.

أتبنى كغيري من المؤمنين بالحرية، أن لا إصلاح في ظل وجود طرف أوغلت يداه بدمائنا، وبخراب بيوتنا، فنظام الأسد لا يمكن أن يأتي منه خير، فمن يؤمن بالبطش لا يمكن أن يضبطه دستور، ودون العقاب لا يأتي معه أي شيء بجدوى، فكيف لمن أراد دولة المواطنة أن يضع يده بيده!

أرى أن الأساس الأول هو تحييد الأقلية الحاكمة، بمفاهيمها المتنوعة، العائلية، والمتنفذة من الطائفة العلوية وغيرهم، والضباط والأمنالمجرمين،من ثبت إجرامهم على أقل تقدير.

ثم التشمير لدخول حرب دستورية باعتبار أن القرار لم يعد سورياً، فالحرب الدستورية يجب أن تكون على أساس إعادة الوطن لأهله، والقرار لأسياده، والسيادة للدولة والقانون، ثم صياغة الدستور الذي يعتبر العقد الاجتماعي القائم، بين الشعب والدولة، وضبط إيقاع رؤية وتعامل المواطنين مع بعضهم.

إننا كشعب معاني في ظل الحرب المستعرة، بحاجة إلى ضبط تلك المفاهيم المتناثرة هنا وهناك، وعلى الإعلام الدور الكبير في طرح ومعالجة هذه المصطلحات بشكل دقيق، ومحاولة إيجاد بيئة تربوية تساهم في ذلك من خلال القائمين على المؤسسات التعليمية في الداخل والخارج السوري، وتعزيز "الانتماء للوطن"، الذي حوّله نظام الأسد خلال العقود الماضية إلى الانتماء "للعائلة" آل الأسد، والعمل من خلال المجتمع المدني لتعزيز هذه الأفكار، فلربما يأتي الوقت الذي من خلاله نستطيع أن نقول: نحن هنا.

المواطنة فكرة جوهرية، ومسالكها متعددة، ومتنوعة، لتصل في النهاية إلى تحقيق العدل المرتقب بمحاسبة الجناة بداية، مروراً بالمساواة بين أفراد الشعب التي افتقدها كثيرون في ظل حكم الأسد، وهي الدولة التي يتوافق عليها السوريون، إضافة إلى المجتمع الدولي، فهل نستطيع استغلال ما تبقى لنحافظ على ثوابت شعب، ضحى بالغالي والنفيس؟!

 

 

فاتح حبابة

كاتب وإعلامي سوري

Whatsapp