رؤية في مستقبل الاقتصاد السوري 1 من 2


 

تشير معظم التوقعات والتحليلات إلى عدم وجود أفقٌ واضحٍ للحل في سورية أو تحقيق أحد الطرفين نصراً عسكرياً واضحاً وحاسماً خلال المدى المنظور، حيث نرى نوعاً جديدًا من الصراع داخل النظام والمقربين من دائرته، وأسئلة عديدة تطرح هل يقوم النظام بحملة تنظيفية لما حوله من رجال الظل الذين يعتبرهم المجتمع الدولي بؤرة الفساد، حيث بات من الضروري الظهور بمظهر الذي يقمع الفساد حتى لو كان من أقرب المقربين إليه، أم أن هناك تفاهمات واتفاقيات ضمنية لإزاحة رؤوس وتهيئة آخرين لاستلام المهمات ذاتها، ولكن عبر وجوه جديدة يتقبلها المجتمع الدولي وتساعده في المحافظة على الكرسي. 

في ظل المعطيات  الحالية، هل هناك مرحلة انتقالية بالأفق، وماذا سيرث من سيتولون إدارة البلاد، وماذا تبقى من هياكل قد يقوم عليها الاقتصاد القادم، الشيء الأكيد  أن  المعارضة السورية ( الحكومة القادمة ) سترث  بيئة اقتصادية وانتاجية مخربة وقطاعات اقتصادية مدمرة إلى مستويات قياسية، ولا يمكن في ظل الواقع الحالي للمعارضة السورية التعويل عليها في إعادة بناء الاقتصاد السوري من جديد، نتيجة انتشار ظواهر المحسوبيات والفساد وعدم الشفافية فضلاً عن التشرذم في البنى السياسية للمعارضة، والتي يجب عليها حيازة إجماع السوريين ودعمهم وصبرهم على متطلبات المرحلة القادمة لكن، وبغض النظر عن الشكل الحالي للمعارضة السورية فإن طبيعة الحلول للأزمة التي سيراها النظام الجديد بحاجة لدراسات وإحصاءات دقيقة جداً وعلمية إلى أقصى حد، كما يجب على من يتصدى لهذه المهمة أن يكون معايشاً للواقع السوري بتفاصيله اليومية وغير بعيدٍ عن هموم المواطنين وحاجاتهم، وطبيعة الصعوبات الاقتصادية والمشاكل السياسية والاجتماعية التي ستعترض عملهم الشاق بكل تأكيد، وقبل البدئ بأي خطوة يتوجب تشكيل فريق عمل من النخبة الوطنية مدعوم بتكنوقراط واقتصاديين، إضافة إلى القانونيين والمهندسين المدنيين لتتم عملية مسح شامل للدمار وتقدير الاحتياجات بإعادة إعمار البنية التحتية انطلاقاً من القانون منتهية ببرامج التربية والتعليم . 

أما بخصوص التحديات التي يمكن أن تواجهها عملية إعادة الإعمار وإحياء الاقتصاد، وعن مكامن النجاح في سير عملية تطوير الاقتصاد السوري ومتطلباتها الفنية والتقنية الحديثة واستثمار الموارد المتاحة من ثروات وطنية إلى إقلاع القطاعات الصناعية وتنشيط البوابات الجمركية لأهميتها كمورد لخزينة الدولة والذي يعتبر من ضمن الإشكالات والتحديات الداخلية.

وبخصوص التحديات التي يمكن أن تواجهها عملية إعادة الإعمار وإحياء الاقتصاد، هناك نوعان من التحديات، خارجية وداخلية، التحديات الداخلية مقدور عليها داخليًا، أما التحديات الخارجية فهي أهم هذه التحديات على الإطلاق، في كيفية تجاوز الحصار والعقوبات على سورية، وبالتأكيد لا نستطيع إلا أن نلجأ إلى أصدقاء سورية وحلفاءها الذين وقفوا معها في الحرب، لأنهم هم الأقدر على المساعدة في مواجهة العقوبات، وبالتالي هذا هو التحدي الأول والأساسي، والتحدي الآخر يرتبط بإمكانات التمويل اللازمة، والتحدي الثالث هو أيضاً تحدي جوهري يرتبط بالزمن ويرتبط بسرعة الإنجاز، وهذا يحتاج كما نعلم إلى إمكانات بشرية كبيرة، وإلى موارد وتقنية وإمكانات فنية عالية، وهل الحكومة القادمة سوف تعتمد في إعادة الإعمار على إمكاناتها الذاتية بالدرجة الأولى، وعلى أصدقائها وحلفائها الذين ساعدوا في مواجهة الحرب التي شنت على شعبها،  وبالتالي هذا التوجه هو التحدي الأول على المستوى الخارجي، ومن هنا نجد أن التوجه نحو الأصدقاء سيكون لمواجهة التحديات .

دراسة متواضعة عن مستقبل سورية الاقتصادي والمجتمعي 

تتلازم الظواهر الاجتماعية والاقتصادية وآثارها السلبية الناتجة عن الأعمال الحربية العسكرية في المجتمعات، وتأخذ منحىً قد يطغى في كثير من الأحيان على النواحي الأخرى لآثار الحروب، إذ تدمر الحرب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع عامة، وتفرز آثاراً سلبية تتواصل انعكاساتها إلى ما بعد انتهاء العمل العسكري أو الحرب. وتشهد سورية عمليات عسكرية توصف بأنها الأعنف على مستوى العالم خلال العقود الخمسة الماضية على أقل تقدير، كما أنها تتفاعل على أرضٍ وفي مجتمعٍ يعاني بالأساس من التهميش المجتمعي والاقتصادي فضلاً عن غياب الحريات الأساسية، وبذلك تضاف إلى الواقع السيئ اقتصادياً واجتماعياً صعوبات جمة نتجت عن العمليات العسكرية على كامل التراب السوري وبذلك تحول المجتمع كله إلى مجتمع حرب، وعندما يتحول المجتمع إلى مجتمع حرب تتحول أيضاً كل علاقاته وبناه للتلاؤم مع هذا الواقع 

الذي تستثمر آثاره إلى ما بعد انتهاء العمليات العسكرية، وقد تخلف رواسب خطيرة تؤثر على بنية الدولة وشكل علاقات أفرادها المجتمعية، الأمر الذي يستدعي دراسة هذه الظواهر دراسة وافية، وتحديث هذه الدراسات كلما طرأ جديد أو تزايد تفاقم حالة ما، وذلك لتكون معالجات هذه الآثار السلبية مرتكزة على تقديرٍ واقعي لحجم الأضرار ومداها وامتدادها في المجتمع.

 الواقع الاقتصادي السوري 

تعد سورية من أغنى الدول في المنطقة بمواردها الطبيعية، فهي تنتج القمح والقطن والزيتون والسكر ولحوم المواشي بكميات وفيرة، كما تنتج مصانعها مشتقات البترول والمنسوجات والمواد الغذائية والفوسفات والإسمنت، ويعتقد على نطاق واسع بأن فرص الاستثمار في الاقتصاد السوري فيما لو توفرت البنية الاقتصادية والحالة الأمنية الملائمة من أفضل الفرص في منطقة الشرق الأوسط نظراً لموقعها الجغرافي وتنوع مواردها.

كانت سورية تصدر 263,000 برميلاً من النفط يومياً (إحصاءات 2009) ويقدر احتياطها النفطي بنحو 2,5 مليار برميل، إضافة إلى 240,7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وأما على صعيد التجارة الخارجية فيعد الميزان خاسراً بنحو 1,379 مليار دولار (إحصاءات 2010) كما تقدر الديون الخارجية بنحو 7,636 مليارات دولار (إحصاءات 2010). 

1-1- مؤشرات الأزمة الاقتصادية

تشكل الأرقام دلالات مختصرة عن بعض مؤشرات الوضع الاقتصادي السوري، إذ تم استهلاك أغلب احتياطات النقد الأجنبي الذي كان يبلغ في ربيع 2011 نحو 20 مليار دولار، وتراجعت الإيرادات العامة للدولة، وتقلصت التحويلات المالية ومنها تحويلات السوريين العاملين في الخارج البالغة نحو 800 مليون دولار سنوياً، وتوقف تنفيذ اتفاقات التمويل الأجنبية، وهرب ما يقدّر بنحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال للخارج، وانكماش الاقتصاد السوري بما نسبته 30 إلى 40 % في عام 2012، وخروج ما يزيد على 70 % من رجال المال والأعمال السوريين للخارج.

إن الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري كان ثمرة ثلاثة من العوامل الأساسية؛ العامل الأول فيها والأهم يكمن في طبيعة الحل الأمني العسكري الذي اختاره النظام في مواجهة الثورة الشعبية، التي انفجرت أحداثها في آذار/مارس 2011، حيث بدأ استخدام القوة ضد المظاهرات الشعبية، وسرعان ما تطورت الأمور إلى حصار المدن والقرى واجتياحها، وإغلاق الطرق العامة، مما شل الحركة العامة وعطل عمل كثير من المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وأوقف الخطط والمشاريع التي كانت في طريق التنفيذ، ثم أضيفت إلى ذلك أعمال القصف المدفعي والجوي والصاروخي، التي طالت مدناً وقرى كثيرة، تم بفعلها تهجير ملايين السكان ودمار كلي أو جزئي للبنية التحتية إضافة لما تم تدميره من مؤسسات ومعامل في محيط المدن وخاصة في ريفي دمشق وحلب، حيث تتمركز آلاف المؤسسات الصناعية والحرفية ومشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني. فقد دمر الحل الأمني - العسكري في أحد فصوله المجنونة شبكة الأسواق التجارية في حلب القديمة.

والعامل الثاني الذي أنتج الدمار الاقتصادي، تمثله سياسات النظام  التي بدا أن سياساتها ملحقة بالحل الأمني العسكري، وليس الأخير جزءاً من تلك السياسة، حيث وضعت كل إمكانات الحكومة تحت تصرف الآلة العسكرية - الأمنية، في سبيل توفير كل الإمكانات المالية للاحتياجات العسكرية، بل إن الأمر تطور لاحقاً إلى إقرار أن موازنة سورية، هي "موازنة حرب"، يصرف الجزء الرئيس منها على الجيش والأمن والشبيحة ورواتب الموظفين وبعض النفقات الضرورية الأخرى لتسيير ماكينة الدولة حتى تظل حاضرة ومسيطرة، و" بأن الدولة ما زالت قائمة " 

 رؤية في مستقبل الوضع الاقتصادي السوري بعد انتهاء الحرب

يمكن إجمال مهمة الحكومة الجديدة بعد انتهاء الأزمة في هذه المرحلة التي قد تستغرق فترة لا بأس بها وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي تحديداً:

- الاستمرار في تشغيل القطاعات الحيوية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وأفران وما تتطلبه هذه القطاعات من قطاعات مرافقة، والاستمرار في تأمين رواتب العاملين في القطاع العام وتتبلور المرحلة الأولى:

-  تأمين مساكن مؤقتة للاجئين والنازحين والبدء فوراً بتأهيل المساكن المتضررة جزئياً من الحرب.

- إعداد دراسات تفصيلية وواضحة عن واقع الاقتصاد السوري ومشاركة أكبر شريحة ممكنة من المختصين وقادة الرأي في هذه الدراسات.

- حصر وإحصاء دقيق وتفصيلي لحجم الأضرار في المرافق العامة والخاصة والبنى التحتية، وحجم الأموال المتوفرة للحكومة ومصادرها.

- إيلاء الاهتمام الكافي لدور البنك المركزي في حماية العملة من الانهيار المتوقع والذي قد يصل لمستويات مشابهة لما حصل في العراق بعد حرب عام 2003.

- الاعتماد على الموارد المحلية، والإعلان عن المساعدات المالية من الدول الصديقة وإدارة هذه الأموال بشفافية.

- البدء بإعداد الكوادر وإجراء مسح وطني شامل للمختصين في كل المجالات والقطاعات الانتاجية.

- تعزيز وتفعيل ثقة المواطنين في الإجراءات المتبعة وإطلاع الرأي العام بشفافية كاملة فيما يتعلق بالإمكانات والخطط والتحديات.

 المرحلة الثانية (مرحلة التخطيط وبدء التنفيذ)

ويتم في هذه المرحلة عددٌ من الاجراءات أبرزها:

- تحديد القطاع الإنتاجي الذي سيشكل القاطرة التنموية للاقتصاد، والذي سيدر العوائد المالية المناسبة ويحد من حاجات الاستيراد. ويعتقد أن قطاع الزراعة والانتاج الحيواني القطاع الأهم في هذه المرحلة، والذي يجب توفير كافة الإمكانات ليحقق مستويات عليا من الانتاج والريعية.

- إعادة تشغيل قطاع استخراج النفط والغاز والتنقيب في أقصى مدى متاح وفق خطط استراتيجية تبدأ بتوفير الحد الأدنى من المشتقات البترولية لسد حاجة السوق المحلية، ومن ثم تصدير الفائض.

- مواجهة التضخم العالي، والبطالة المتفشية من خلال خلق فرص عمل رئيسية جديدة في كلا القطاعين السابقين وما يرافقهما من قطاعات كالنقل والصناعات الغذائية وتسويق المنتجات الزراعية والحيوانية، إضافة للصناعات التحويلة والبتروكيماوية.


 

سمير خراط

كاتب سوري

 

 

 

 

Whatsapp