شهدت الساحة اللبنانية منذ شهر تقريباً وإلى اليوم بعض الأحداث التي عاشها الشعب اللبناني، فبعد انفجار المرفأ أو ما يعرف انفجار بيروت حوَل المدينة التي كانت تعرف بسويسرا الشرق إلى مدينة منكوبة بسبب انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في أحد مستودعات المرفأ أودت بحياة المئات وأصابت الآلاف بجروح وانهيار كبير في معظم المباني، وقد قدر علماء الزلازل الانفجار بما يعادل زلزالاً بقوة 3.3 درجة على مقياس ريختر.
سارعت بعدها الأحزاب والكتل الحزبية في لبنان إلى نفي معرفة وجود هذه المواد في المرفأ ما يؤكد حجم الفساد المتفشي في الدولة اللبنانية. استقالت بعدها حكومة حسان دياب لتعود المظاهرات الشعبية إلى الشارع اللبناني ومطالبتها في الرحيل.
تضامنت بعدها عدة دول أجنبية وعربية مع حادث لبنان ومنهم من قدم مساعدات مالية وأرسل بعضهم طائرات محملة بالأدوية والأغذية. ولكن التضامن الأكبر كان من قبل فرنسا حيث قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى لبنان لتقديم التعازي إلى أهالي الذين قتلوا في الانفجار وقد نزل ماكرون إلى الشوارع وعانق اللبنانين واستمع إليهم وإلى مطالبهم. هذا المشهد لم نره من مسؤول لبناني أو عربي.
وأثناء زيارة ماكرون طالب البعض بعودة الاحتلال الفرنسي إلى لبنان وعدم إرسال المساعدات المالية إلى الحكومة اللبنانية الحالية وأن تشرف فرنسا بنفسها على توزيعها.
حتى إن عشرات الآلاف قاموا بتوقيع عريضة خلال ساعات تدعو إلى إعادة الانتداب الفرنسي ما اعتبره محللون رسالة للسلطة الحاكمة في لبنان بأن الشعب قد مل من الوعود ومن انتشار الفساد والفوضى وبأنهم لا يثقون بحكومتهم ويحملونها كامل المسؤولية عن الأحداث الأخيرة.
قد يكون عدد الموقعين على الطلب لا يتجوز الآلاف مقارنة مع عدد سكان لبنان وهو رقم ضئيل لكنها رسالة واضحة بأن العيش تحت حكم الاحتلال الفرنسي أسهل بكثير من العيش في هذا الوضع الراهن وبظل لبنان المستقل.
بالعودة إلى زيارة ماكرون فقد التقى فيها جميع السياسيين وممثلين الأحزاب وأخذ وعد منهم في تشكيل حكومة بأسرع وقت وإجراء إصلاحات حقيقية في البلاد ووعدهم بزيارة ثانية للاطلاع عن التغيرات. ما اعتبره محللون بأنه إعادة فرض سيطرة فرنسا على القرار السيادي في لبنان وبأن الرئيس الفرنسي ماكرون يسعى إلى توسيع نفوذ بلاده من خلال لبنان. خاصة في المتوسط للاستفادة من خيراته. وبعد انتهاء زيارته الأولى غرد ماكرون عبر تويتر باللغة العربية قائلاً: (بحبك يا لبنان.. لن أترككم وحدكم).
عاد ماكرون بعدها إلى لبنان في زيارة ثانية بأقل من شهر للاطلاع على المطالب التي طلبها من السلطة الحاكمة وتزامنت عودته بتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى أديب حيث اعتبر البعض أن الضغط الفرنسي على الطبقة السياسية الحاكمة سارع في تشكيل هذه الحكومة وصرح ماكرون بعدها بأن السياسيين في لبنان تجاوبوا من أجل تشكيل الحكومة وإجراء إصلاحات حقيقية داخل الدولة اللبنانية.
وأكد نشطاء على أن ماكرون وخلال زيارته الأولى تكلم عن الطبقة الحاكمة في لبنان بلهجة قاسية وهددهم بفرض عقوبات على شخصيات مالم يتم تشكيل الحكومة وهذا السبب ما جعل السياسيين يسارعون إلى تشكيل حكومة سريعة لإنقاذ لبنان.
قام بعدها ماكرون بزيارة لرمز لبنان السيدة فيروز ومنحها وسام جوقة الشرف الفرنسي بالإضافة إلى قيامه بغرس شجرة أرز إشارة إلى ولادة لبنان جديد يحلم به جميع اللبنانيين.
جميع هذه الأحداث زادت في الآونة الاخيرة من شعبية فرنسا وإعادة المطالبة بعودة الانتداب الفرنسي فهل ساعد الرئيس الفرنسي ماكرون اللبنانيين على تجاوز محنتهم بالفعل والإسراع في تشكيل حكومة جديدة بعد أحداث مرفأ بيروت؟؟
ألم تشكل زيارة ماكرون بالفعل ضغطاً على الطبقة السياسية في لبنان ليسارعوا في تشكيل حكومتهم؟ ألا يسعى ماكرون من استغلال حادثة لبنان لتوسيع نفوذ بلاده خاصةً في مرافئ المتوسط والاستفادة من خيراتها؟؟ ألا تحركه المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بعيداً عن العواطف خاصةً بأنه يملك اليوم تأييدًا شعبيًا كبيرًا في لبنان. وهذا ما سوف يساعده في إعادة إعمار ما دُمِّر من بيروت وهو ما أعلنه خلال رعاية مؤتمر دولي لمساعدة لبنان؟؟
هل سنشهد إعادة الانتداب الفرنسي ليس كاحتلال مباشر ولكن بمظاهر أخرى وبتأييد شعبي كبير؟ ربما صُدم البعض من مطالبة عودة الاحتلال الفرنسي إلى لبنان خاصةً بعد استقلاله التام عن فرنسا عام 1943 م فما الذي دعا هذا الشعب العظيم الذي عانى الكثير من الاحتلال والذي عانى فساد السلطة الحاكمة ومن الحرب الأهلية الذي دفع الكثير من شبابه إما للموت أو للهجرة خارج لبنان إلى الاستغاثة بالمحتل من جديد.
ربما فقد شعب لبنان ومعظم الشعوب العربية الأمل في تغيير أنظمتهم التي ماتزال تمارس العنف والظلم والاستبداد بحقهم ربما رأوا أملاً في التغيير من خلال المحتل والحلم والعيش بكرامة وحرية وديمقراطية. العيش في بلادهم مع جميع مقومات الحياة التي تنقص معظم الشعوب في يومنا هذا كيف لشعب واعي أن يطلب من دولة احتلته سابقاً ونهبت خيراته بإعادة احتلاله لو أنه لم يذق الويلات من حاكميه؟؟
بالطبع لن تكون فرنسا الأم الحنون للشعب اللبناني. فرنسا التي قتلت حوالي مليون ونصف جزائري أثناء احتلالها للجزائر ستأتي فقط لأطماعها ومد نفوذها من جديد ولو كان غير ذلك لاحتضن ماكرون نفسه شعبه، واحتضن المتظاهرين الفرنسيين أثناء الاحتجاجات الأخيرة التي عرفت باسم السترات الصفراء. ولربما إن الشعوب نجحت في معركتها ضد الاستعمار وإخراجه منها لكنها فشلت في المعركة ضد أعوانه ومخلفاته.
آلاء العابد
كاتبة سورية