روسيا وإعادة تأهيل النظام  من يحيي العظام وهي رميم


    الوفد الروسي الرفيع الذي زار دمشق مؤخرًا، برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي رئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة مع النظام، ووزير الخارجية الروسي الذي لم يزر دمشق منذ عام 2012 ومسؤولين اقتصاديين وعسكريين. جاء كما أعلن بصدد عقد اتفاقات اقتصادية وعسكرية ومباحثات سياسية تبحث في مستقبل العلاقات والعملية السياسية. المرة الأخيرة التي زار وفد مماثل  دمشق كانت قبل أكثر من عشرين شهرًا عقدت خلالها مجموعة من الاتفاقات لتنفيذ مشاريع حيوية في سورية وبلغ عددها أكثر من عشرين مشروعًا لم ينفذ منها إلا القليل، وكان هذا القليل ما يهم الجانب الروسي ويقوي نفوذه الاقتصادي في سورية، ومما يلفت النظر أن وزير الطاقة الروسي حينها، صرح بأن تمويل هذه المشاريع يقع على عاتق الجانب السوري، كما صرح صاحب أكبر شركات الطاقة الروسي أيضًا أن سورية بلد غني بموارده وثرواته الباطنية، مما يشير إلى تنصل الجانب الروسي من أي التزامات نحو هذه المشاريع.

    المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الاجتماع الأول وحضره رئيسًا اللجنة الاقتصادية في البلدين ولافروف وزير الخارجية أكد على الحاجة / والعمل على إعادة الإعمار بالتزامن مع عمل اللجنة الدستورية التي اعتبرها الروس هي ومسار أستانا وسوتشي، بديلًا عن مسار جنيف والأمم المتحدة فالعملية السياسية بنظر الروس مجرد بعض التحسينات الهامشية لأن روسيا وسورية برأي لافروف انتصرتا على الإرهاب واستقر الوضع العسكري ملمحًا إلى أن هذا الاستقرار يعني أن لا معركة في إدلب أو في أي مكان آخر. وإن الاتفاق التركي ــــ الروسي قائم ومستمر، وكان لافروف قد اجتمع قبل أيام مع (بيدرسون) المبعوث الدولي إلى سورية، وبحث معه الشأن السوري  في اللجنة الدستورية وإدلب وشرق سورية وأزمة كورونا، وسلمه نسخة من وثيقة مذكرة التفاهم التي وقعتها في موسكو قبل أيام رئيسة ما يسمى الهيئة التنفيذية المشتركة لمجلس سورية الديمقراطي " مسد " مع أمين عام حزب الإرادة الشعبية رئيس منصة موسكو للمفاوضات قدري جميل، والتي نصت على عدد من البنود تتعلق بتأكيد وحدة وسيادة سورية، مع الإقرار بضرورة الالتزام بحل ديمقراطي "وليس سياسي "عادل للقضية الكردية، وأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية "ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلد وحاجات المنطقة التي أنتجتها الأزمة ،فضلاً عن أهمية قوات سورية  الديمقراطية ضمن الجيش السوري وفقا لصيغ وآليات يتم التوافق عليها، وشددت الوثيقة على أهمية انضمام الإدارة الذاتية لشمال سورية" التي  تمثل المكون الكردي " إلى العملية السياسية للتسوية،  في إطار  اللجنة الدستورية، ودعا بيدرسون إلى دمج الإدارة الذاتية في العملية السياسية الجارية.

    اللجنة المجتمعة في دمشق أقرت على الصعيد الاقتصادي عدد كبير من المشاريع يربو على أربعين مشروعًا، لكن يبدو أنها كسابقاتها ستبقى حبرًا على ورق بدون تمويل وكما أقر المجتمع الدولي لا تمويل إلا بعد عملية انتقال سياسي، وهذا لن يقبل به النظام مهما كانت الظروف، وقد رفضت الصين، والتي كانت متحمسة، الدخول بأي تمويل في ظل العقوبات على النظام. أما روسيا وإيران فليس لهما قدرة على التمويل.

    يأتي ذلك كله تحت بصر وسمع أميركا التي تتحضر للانتخابات الرئاسية، والتي قامت في الأيام الأخيرة بسحب أرتال من قوات التحالف الدولي الذي تقوده {والذي يضم السعودية والإمارات} المتمركزة في العراق وأدخلتهم إلى سورية، التي تقيم فيها حوالي 30 قاعدة كلهم في مناطق قسد، فهل ما يجري بين موسكو وقسد بإيعاز أميركي.

    التشابك الحاصل حاليًا على الساحة السورية لا يعطي مجالًا واضحًا للتحليل السياسي لقادمات الأيام، ولكن الذي نعرفه أن إسراع موسكو إلى نجدة النظام ومحاولة إعادة تأهيله وإرسالها وفدًا عالي المستوى كان خوفًا من انهيار النظام تحت وطأة أزماته ووضعه المذري الذي اتضح جليًا مع تفاقم أزمة كورونا، وأخيرًا وليس آخرًا، الحرائق المستمرة والمتسعة في المحافظات الغربية وحماه وحمص، والتي أتت على مناطق واسعة من الغابات الثمينة، واتضح عجز النظام في مواجهتها، كما أن روسيا التي ساعدت تركيا وإسرائيل سابقًا على إخماد حرائق الغابات، لم تحرك ساكنًا لدعم حليفها الاستراتيجي السوري، وبعد تدمير البيئة السياسية والاجتماعية على يد النظام، يأتي تدمير البيئة الجغرافية ومتنفس السوريين الوحيد الذي لا يستبعد أن يكون لأطراف من النظام الفاسد يد فيها. وكان قبله القرار المخالف للدستور الذي يجبر المواطن السوري الراغب في الدخول إلى بلده بدفع إتاوة للنظام تساوي 100 دولار مما أدى إلى وجود أفواج من العالقين على الحدود دون مأوى في وضع مأساوي غير مسبوق في أي دولة من دول العالم.

    عندما سئل وليد المعلم عن رأيه في الاتفاق بين منصة موسكو وقسد قال نحن لا نعترف بأي اتفاق يخالف الدستور. يبدو أن مخالفة الدستور من اختصاص النظام الذي وضعه. ويقولون لك أن اللجنة الدستورية ستخرج الزير من البير.

العالم أصبح على ثقة بأن هذا النظام يعاني من خلل بنيوي لا يمكن إصلاحه. تبقى أن تفهم روسيا أن إحياء العظام وهي رميم ليس من اختصاصها.  

 

 

محمد عمر كرداس

كاتب سوري

 

Whatsapp