طقوس أُخرى للخيبة


 

أيُّها الصَّقرُ المُبَجَّلْ

ليسَ هذا ملعبُ الرِّيحِ فعُذرا

غلطةٌ كانتْ، وأطلقتَ جناحيكَ بها تِنْشُدُ فَجرا

إنَّهُ عالَمُنا المسمومُ

خوفٌ

وضياعٌ وأكاذيبُ

وموتْ

إنَّهُ عالَمُنا الوغدُ

فَعُدْ يا صقرُ مِنْ حيثُ أتيتْ

ليسَ هذا ملعبُ الرِّيحِ-صَديقي

فترجَّلْ

آنَ أنْ تدركَ أنَّ القهرَ خبزُ الأمسِ واليومِ

وأنَّ الحُلُمَ الورديَّ مشروعٌ مُؤَجَّلْ

***

أيُّها الصَّقْرُ

تلاشتْ طُرُقاتي كلُّها

والفضاءُ الرَّحبُ ضاقْ

لم يَعُدْ للشَّوْقِ مَعْنى، فالمخدَّةْ

شوكُ أسماءٍ توارتْ ساعةَ اجتاحتْ قُرانا موجةَ الحَرِّ

وضاعتْ بينَ أنقاضِ الرُّؤى آخرُ وَرْدَةْ

أيُّها الصَّقرُ..

طَوَتْ آمالَنا سودُ اللَّيالي

وتمادى في بوادينا صراخٌ لا يُطاقْ

مطرٌ أسودُ...

قهرٌ، وخفافيشُ على أرصفةِ الوقتِ

جرادٌ مدمنُ الجوعِ

براغيثُ، وألوانُ دماءٍ لم أُشاهِدْ مثلها قَطُّ

ومازلتُ (أنا الباحث عنّي) واقفاً حيثُ اخْتَفَتْ آثارُ أقدامي

وحيداً دونَ ظلٍّ

صامتاً والموتُ يمتدُّ كأفعى

ثمَّ يمتدُّ، وتذوي الطّفلةُ الشَّقراءُ 

(قالوا ربَّما الجوعُ...

وقالوا اختنقتْ بالغازِ...

قالوا، وتتالتْ في الإذاعاتِ أحاديثُ النِّفَاقْ

خبرٌ... لم يعبأ الناسُ بهِ

أَنَّ بقايا الطّفلةِ الشَّقراءِ ظلَّتْ حيثُ كانتْ

ومضى الحشدُ بعيداً

ليسَ في الحانةِ إلا كِسَرُ الأحلامِ، والشوقُ المُراقْ).

كنتُ في زاويةٍ مهملةٍ ألتقطُ الأنفاسَ

 كنتُ الشَّاهدَ العاجزَ في مأتَمِها

لا حولَ لي

لا شيءَ بالإمكانِ، لا شيءَ وقدْ شَدُّوا الوِثاقْ

***

كنتُ كالفأرِ مُحَاطاً بملايينِ العيونْ

لستُ أدري أنا مَنْ كنتُ

ولا أدري أنا مَنْ سأكونْ

حاصرتْني شَهْوَةُ الدَّمْعِ

ولكنْ مُسِحَتْ عينايَ من خارطةِ الوجهِ

ولا فرصةَ لي

لا شيءَ بالإمكانِ

لا شيءَ، وأشلاءُ الرِّفاقْ

تتراءى ليَ في كلِّ زقاقْ

قصصاً شتّى، أقاويلَ وأخباراً

وحزناً، واحتراقْ

***

آنَ أنْ، تَفْهَمَ يا صقرُ الحكايَةْ

آنَ أنْ تعرفَ أنَّ الطفلةَ الشقراءَ ماتتْ

أنَّنا مُتْنا، وأنَّ الرِّيحَ لنْ تحملَ للزَّهرِ غبارَ الطَّلعِ

لنْ توقظَ ما نامَ مَنَ الأشواقِ

لنْ تفعلَ شيئاً

فهنا في البئرِ تُسْتَكْمَلُ أحداثُ الرِّوايَةْ

قالَ جلاّديَ: سِيْنٌ 

قلتُ: جيمٌ 

أطفأَ السِّيجارَ (يا صقرُ) بعينيْ

قال: سينٌ، بَعْدَ سِيْنٍ، بَعْدَ سِيْنِ...

ومَضَى... لا صَوْتَ..

لا ضوءَ، وما زلتُ بقعرِ البئرِ أجترُّ شجُوني

جثةً بعثرَها الوقتُ

بقايا حلمٍ كانْ

أيُّها الصَّقرُ..

أنا/ أنتَ، كلانا يا صديقي ضائعانْ

لستُ أدري، هل فقدْنا الشَّوقَ؟

أم جئْنا إلى موعدِنا قبلَ الأوانْ؟!

***

أيها الصقرُ العنيدْ

آنَ أنْ تطوي جناحيكَ، فلا شيءَ بهذا السّفحِ يغري بالمزيدْ

إنها دوامة الأمس، ولا شيءَ جديدْ

أبداً..

لا شيءَ..

لا شيءَ جديدْ

 

 

عبد القادر حمّود

شاعر وكاتب سوري



 

Whatsapp