مصطلح العائلة عند الأتراك تقلص، حيث كان في السابق يشمل الفروع والأصول، بينما هو اليوم يقتصر على الأسرة المكونة من الزوجين والأولاد إن وجدوا، وقد تطورت البنى والنشاطات الإسلامية في تركيا، ونمت وتنوعت في مناطق مختلفة على مدى المئة عام الماضية. وقد استمر وجودها مع صيغ الخطاب والأعمال المختلفة، حيث تشكل هذه البنى مجتمعا مدنيا داخل وخارج تركيا، وتبذل جهودًا في مجالات مختلفة، يأتي على رأسها بناء الأسرة، الخلية الاولى في المجتمع.
وتعتبر قضية المرأة والأسرة من أهم الموضوعات الساخنة في العصر الحديث. وفي الحقيقة إن الهيكل التقليدي للأسرة تغيّر مع تحوّل دورها الاجتماعي الفعّال في إبقاء قضايا العائلة والمرأة على جدول الأعمال. وبطبيعة الحال، فإن تغيير أدوار النساء والرجال في الحياة الاجتماعية له دور مهم في تغيير هيكلية العائلة. فالنساء اليوم تقوم بالمشاركة في الحياة العمليّة مثل الرجال، ويثبتن وجودهن في مجال التجارية، والسياسة، والفن وينجحن كالرجال.
هذا التحول في العائلة يفرض تغيير الفهم التقليدي وأشكاله والظواهر الحياتية المتعلقة به، ويؤدي إلى الصراع في النقاط التي يكون فيها التغيير غير كاف. يُلاحظ هذا التغيير وحالات الصراع هذه في الدراسات الاجتماعية في العديد من المحافظات التركية وما فيها من شباب وكهول، ذكور وإناث في المجتمع بأسره بما في ذلك موقع الدراسات والأنشطة الأسرية تستوجب التعزيز، وبالإضافة إلى ذلك ينشأ أفراد داخل العائلة بحاجة لفهم بعضهم البعض أكثر. وهناك العديد من التصريحات والمبادرات المختلفة المتعلقة بهذا الموضوع في كل من النصوص الكلاسيكية والنصوص الحديثة.
ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أنه ليس من الصحيح مقاومة التغيير وليس من الممكن رؤية كل تغيير إيجابيًا. إذن كيف يجب أن نفهم هذا التحول، وكيف يجب أن يتطور ويصبح أكثر إيجابية؟
بادرت جمعية موزاييك التابعة لمنظمة منبر الأناضول، وهي جمعية متخصصة بشؤون المرأة والأسرة، على القيام بدراسة لمعالجة المشاكل المتعلقة بالعائلة، والبحث عن حلول لها، والكشف عن سبل مستقبل صحيح وسليم.
وكان السؤال المهم كيف نبني الأسرة أو نحافظ على هذه الخلية وفق الصورة العائلية التي تتوافق مع قيمنا الخاصة والتحقق من إمكانية حل المشكلات المتعلقة بالأسرة في العالم الإسلامي. وكيف تلعب دورا مميزا في تكوين المجتمع؟
وطبعا هذا ما جعل الدراسة تحاول الحصول على إجابات لأسئلة مهمة مثل: من أين نبدأ؟ وكيف كان ذلك في زمن الرسول؟ لماذا يختار منتقدو الإسلام النساء والعائلات أولا؟ هل هي نقطة الضعف رغم إنها الخلية الاساسية التي انطلقت منها؟ من أين جاءت ثقافة السلاملك والحرملك؟ هل يوجد في مصادرنا ما يكفي للرد على منتقدي الإسلام في هذا العصر؟ وماهي مسؤولية الفرد أو الأسرة تجاه هذه الإشكالية؟ وما هو دورها الحقيقي؟ وما طبيعة علاقتها مع المجتمع المدني؟ وكيف تكون حركتها فاعلة ومؤثرة في التحول الاجتماعي؟ وهل يمكننا قياس هذا التحول؟ وكيف سنقيس؟ أتوجد أمثلة تاريخية تدعم حاضرنا ومستقبلنا؟ كيف ترى الحركات الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني دور الاسرة وكيف ينبغي أن يكون دورها وكيف سيتم تنظيم العلاقة بينهما، والعلاقة مع الشباب؟ ومدى علاقة التقاليد العربية بالإسلام؟ هل هناك أعراف عربية لا علاقة لها بالإسلام؟ كيف نميز بين عادات كانت خاصة بالعرب وبين الشرع وهل يجب فصلها عن الإسلام كدين؟ كيف يمكن أن نفهم خصوصية الأسرة؟ وماذا عن العنف والمشاكل والتحديات؟ ماهي؟ وكيف يتم مواجههتا؟ ما هي العوامل التي تغذي التفكك الأسري؟ وما دور الإعلام في دعم أو تخريب الاسرة. وتأثيرها على المجتمع؟ وما هو مصير مؤسسة الزواج؟ كيف يجب أن يُنظر إليها؟ هل يجب التغيير في هيكلية الزواج وأشكاله؟ كيف يمكن معالجة مشاكل العائلة المفجوعة؟ وحماية النساء المضطهدات، والتخلص من مشكلة الأب الضعيف؟
هذه الاسئلة سئلت لمجموعة من الأكاديميين، وقادة الرأي، والخبراء المعروفين في تركيا من السياسيين، والفلاسفة، والأدباء، وعلماء النفس والدين، مثل محمد كورماز رئيس الوقف التركي الأسبق، والمفكر رمضان قايان، والإسلامي خير الدين قهرمان، والمفكر تورغاي الديمير من أجل البحث عن إجابات لهذه الأسئلة التي يواجهها العاملون في مجال المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن أغلب هذه الأسماء من تركيا كان هناك مشاركين من خارج تركيا كالمفكر الإسلامي المصري حسن حنفي والسياسي الفلسطيني خالد مشعل. ثم تم تنسيقها لتخرج في كتاب من 270 صفحة من القطع المتوسط.
لقد جاء في مقدمة الكتاب " إن العنصر الرئيس في عملية البناء الاجتماعي هو العائلة. وبناء العائلة يأتي في أولويات القيم التي نهتم بها. وإن أهمية العائلة ليست فقط لأنها الوحدة الأساسية للمجتمع. وإنّما هي الأساس لاستمرارية ونجاح الكفاح الإسلامي وعمل المجتمع المدني. ويمكن أن تظهِر الهياكل التي لا تعتمد على الأسرة نجاحات مؤقتة في المناطق المحلية، ولكنها ستتلاشى بسرعة مثل شعلة القش. فالخير في أي عمل لا يكون بكثرته بل باستمراريته. فمؤسسة العائلة هي التي ستضمن الاستمرارية في الحركات الاجتماعية."
الكتاب صدر باللغة التركية تحت عنوان " أن تكوّن عائلة " في طبعتين في كانون الثاني وشباط عام 2020 وستصدر الترجمة العربية له قريبا، واعتقد سيكون مفيدا للأسرة العربية بشكل عام والسورية التي تعيش على الأرض التركية بشكل خاص لتدرك الحجم الكبير الذي تحتله الأسرة في المجتمع ودور المجتمع المدني في المحافظة على هذه الخلية المقدسة دينيا واخلاقيا. وما أحوجنا اليوم لذلك.
الكتاب: أن تكوّن عائلة وفق محور التغيير والديمومة
المؤلف: مجموعة الكتاب
اصدار: دار تيره للنشر 2020
كاتب وإعلامي سوري
