أكاذيب الروس في سورية


خمس سنوات انقضت على أول ضربة لسلاح الجو الروسي في سورية، وما زالت المراصد والشبكات الحقوقية توثق جرائم الروس بحق الشعب السوري منذ 29 أيلول/سبتمبر 2015 وحتى يومنا هذا.

عُرفت الدولة الروسية بكذبها وكأنها المدرسة التي تخرج منها نظام الأسد، وهكذا معظم الأنظمة الديكتاتورية، إلا أن الفارق هنا هو الخبرة الطويلة وإتقان هذا الفن من نظامي الأسد والكرملين.

مرر النظامان على الدول والشعوب أكاذيب متعددة، بدأت من أكذوبة إعلان التدخل الروسي في 2015م، وكأنهم لم يكونوا مخترقين لسورية منذ عقود ماضية، ولا كأن جيشها "العربي السوري" هو "العربي الروسي" ولا السلاح المستخدم بأيدي جيش النظام المهترئ، هو سلاح روسي الصنع، إذاً التدخل الروسي في سورية كان منذ عشرات السنين وإعلانهم عن ذلك كان في 2015م كما أرى.

أما الأكذوبة الثانية فهي الترويج بأن التدخل الروسي المزعوم كان بطلب من بشار الأسد، وفيها شقين من التلاعب، الأول: إيهام المتلقي بأن بشار الأسد له قرار، وهذا ليس صحيحاَ، والثاني: أن الروس قدموا إعانة له فقط، وهذا أيضاً غير صحيح، فالأول نقضته روسيا بعدما مكّنت نفسها داخل التراب السوري، فتعاملت مع "ذيل الكلب" بالطريقة التي وجب التعامل بها معه، والثاني أن لروسيا أطماعها الخاصة التي تتكشف بالعقود التي توقعها وأماكن سيطرتها وتوزعها.

والوجود الروسي في سورية يصعب توصيفه بالاحتلال، لأن الاحتلال يفترض أن لديه مسؤوليات وواجبات أمام الشعب الذي يقوم باحتلاله، وهذا الذي لم تنجح روسيا بالوصول إليه في سورية رغم محاولتها ذلك، فـ"الغزو الروسي" أدق توصيفاً من الاحتلال الروسي.

وإن صح أن النظام قام بدعوة الروس والإيرانيين من قبلهم، فهاتين خيانتين كل واحدة منهما أعظم من الأخرى، لأن النظام يقتل الشعب واستعان على الشعب بالأجنبي، وهذه تودي بنا إلى الكذبة الثالثة الممزوجة بأكاذيب.

وفي كذبة ثالثة، فيها واحدة روسية وأخرى دولية، الحرب الأهلية السورية التي روج لها المجتمع الدولي ليفضي إلى الحل بالتفاوض السلمي، غير صحيحة، فحتى هذه اللحظة لم تنف الأغلبية العربية السنية مكوناً من المكونات، ولم تنظر إليه على أنه لا يستحق الحياة، ولا المكونات السورية الأخرى تجاه بعضها البعض، وهذا ينفي الركن الأساس في الحرب الأهلية، والتوصيف الصحيح حرب السلطة الغاصبة تجاه الشعب، وتسلط عصابة واحدة على رقبته، يدعمها شياطن الإنس والجن.

أما الشق الآخر منها فهي كذبة الروسي بأنه تدخل في سورية لمحاربة الإرهاب، وفي أول ضربة عسكرية بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر / 2015 قال إنه استهدف "داعش" ليتبين أن الهدف كان فصيلاً تابعاً للجيش الحر، ومن تلك اللحظة بدأت الأكاذيب تتوالى في هذا السياق، حيث أن الروس تدخلوا للإجرام ضمن محور الطائفيين الذي يسميه البعض محور الثالوث (النظام وإيران وروسيا) على أساس طائفي وبدافع ديني ضد أهل السنة في سورية.

وهذه الكذبة الرابعة بأن روسيا "لم تتدخل على أساس ديني"، ولا أهداف عقائدية لها، وكل ذلك ينقضه الواقع الذي تابعناه، وهي مباركة الجنود الروس من الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، ووصفها للحرب ضد الشعب السوري، بالمعركة المقدسة ضد الإرهاب، الذي لم يتول القضاء الفعلي على تنظيم الدولة والتشكيلات الإرهابية العراقية والأفغانية واللبنانية، ولم يحارب سوى الجيش الحر وأبناء سورية، في الوقت الذي كان سلاح دعاة الحرب على الإرهاب موجهًا على الشعب، وسلاح الشعب موجه على الإرهابيين الحقيقيين.

تكذب روسيا سياسياً، وعسكرياً، فتقول: لا مشكلة لها مع "المعارضة المعتدلة"، وتلعب على التوصيفات التي تسقط مضامينها بحسب مصالحها، والعكس صحيح فهي لا تحاور سوى نفسها ولا تملي أجندتها سوى على ذيلها، الذي أدخلها وجعل لها شأناً كي يقول الشعب فاوضوا مع رأس النظام الحقيقي "الروسي والإيراني والإسرائيلي" ولا تتفاوضوا مع ذليهم في دمشق.

كذبة سادسة في سلسلة الأكاذيب الروسية، بأنهم لا يهمهم بقاء نظام الأسد ولا بشار، ولو كان ذلك صحيحاً لتخلصوا منه، وحاولوا أن يجيدوا في كذبة جديدة وهي تبييض وجههم أمام الشعب السوري منذ بداية غزوهم لسورية بإزالة ديكتاتورها.

وسابعة، يقولون إن المجتمع الدولي غير راض عن الغزو الروسي لسورية، وهذا أيضاً غير صحيح، فلديهم كل الطرق المتاحة لإيقاف هذا الدور، لكن يبدو أن ذلك مرتبط بألعاب كبرى دولية، لا مناص من ترتيبها إلا بهذا الشكل، لتخدم مصالح الدول العظمى على دماء الشعوب البريئة، في أكذوبة بكيت من إيلامها دموع الأمهات، وراح ضحيتها الملايين، كي يقوم بوتين باستعراض يتفاخر به، ويرسخ وجوده في سورية لسنوات عديدة، ويمدد الحكم لنفسه في روسيا لسنوات مديدة.

 

فاتح حبابه

إعلامي وكاتب سوري

Whatsapp