لماذا علينا أن نكتب في السياسة؟ 


في حقبة تغير الفرضيات وبينما ننكب على دراسة السياسة ومناخ التوجه السياسي العام هنالك سؤال يراودني باستمرار دون توقف البحث عن تدوين دوائر إجاباته.

كي نفهم ما يحدث من حولنا وفي ماهية ما يكون من ظروف وتغير الاستحقاقات في قضايانا نحن ذاهبون لا محالة ولكن لن تموت قضايانا بموتنا وسيأتي الجيل الذي يقرأ ما قمنا بكتابته على جدران أزماننا ولعله ينصفنا أو يلوم ما قمنا به.

في السياسة يجب أن نجتهد وقد نصيب الحقيقة أو ندور في فلكها، ما جرى في تاريخنا كسوريين من أجل سقف سياسي لم يعد يحمينا بكل ما تحمل المعاني من ألم.

انتشلنا من ماضينا وبيوتنا وذكرياتنا من أدق يومياتنا، لأن الخلل أصاب السياسة وقشعريرة الرعب التي غزت في مدارك أحوالنا. لماذا علينا أن نكتب في السياسة؟ لأن فلك الإدارة والتاريخ وإعادة تدوير البنى المجتمعية يرتبط بها. قد يكتب بعض منا في النظريات وبعض منا في الدروس المستفادة، قد تأتي إحداهن بأرشيف معاناة النساء في الفقد والتشرد وهواجس الأمهات التي طحنت في التشرد والعذاب ومطرقة البطالة وسندان الأجور القليلة لكن بالرغم من كل شيء لنحاول في السياسة. نعم كل هذا في جعبة السياسة يكتب ما يخوض به هذا الشعب منذ ما يقارب العشر سنوات.

لا ضير بمن ينسب كل المحاضر للاجتماعات المدنية والسياسية مع ما تحمله من شخصيات وتسميات وصور وسرديات الأوقات التي صدق بها الصادقون ونافق بها المنافقون، وجمع كل النشطاء المدنيين والسياسيين لتكن هذه الأسماء شاهدة على تلك المرحلة.

هل عرفنا القيم السياسية من أجل ربط أفعالنا وسلوكنا السياسي مع أهدافه؟ من أين نبدأ في تجريد فلسفتها في أصل المبادئ الإنسانية أم أن القيم السياسية هي اشتقاق قيم المصالح.

نقول نريد أن نكتب في السياسة فنحن نزيد رقعة الوعي لدينا في مراقبة ما يحدث حولنا من الأفعال وردود الأفعال، أصوات التصريحات وألوان السياسات نضيف إليها ألوان الأعلام التي ترفع والتي تفرض ما تريده. بمجموع هذه الملاحظات على مدار الحقبة الزمنية الراهنة تفتح الفكر السياسي بما فيه من تكاملات وتناقضات وتناغم وصراعات، الذي يسهم في صناعته كل من يحمل راية الشأن العام واستمرار شكه ويقينه الذي دائمًا هو على المحك، وانقضاء رماد جمره يهدأ حتى يعود ليشتعل من جديد فالشعوب لا تنسى أحزان أجدادها وعجلة الزمن لا يمكن إيقافها وعجلة الوعي والتبدل والتحول لا يمكن إخمادها ودواوين السياسة ترصد كل ما سبق بأدق تفاصيل المحاور وروايات العاملين منذ الصرخة الأولى إلى من يبحث الآن عن منابع الحل والعزم وينبش عتمة الفساد والسواد في مستقر السطور والتواقيع والمراسيم .

لذلك لابد أن أكرر ماذا نكتب وكيف نكتب بروح هويتنا ونفس آلامنا وذاكرتنا دون أن تحور وتذهب الريح بصميم ما اشتعل به شعبنا العربي يومًا من أجل جسد أكلته نيران الفساد في مشرق ومغرب الوطن العربي.

 نكتب في السياسة كي نستطيع أن نفتح على هذا الوطن مساحة غير تمييزية وغير إقصائية توحد الألوان والأعراق والأجناس توحد الأفكار والانتماءات بشكل واقعي منطقي ومرسومة المعالم غير ملغومة بالأحقاد ومطبات التفرقة والصراعات الجندرية والحزبية والمناطقية والمذهبية وما بين الديمقراطية والديكتاتورية أنصاف الحلول الكامنة والوهمية، مساحة تعيد الإنسان لعافيته وشكل مرآته الأولى، حيث خلق ليكون سياسيًا مستخلفًا في شؤونه وشؤون من هم حوله ويرتب التلقائية والصدف المتوالية لتكون الأحداث والمنافع والطرق النفعية الجمعية وينظم الموارد البشرية والطبيعية ورسم الوظائف والمراتب والتفاضل بين النجاح ومحاولة النجاح و صفرية الإنجازات في مسيرة حياة المواطنين.

ونكتب فيها لأننا نريد أن نخط حروف السلام، ونريد أن نبنيه في غمرة الحرب والقصف والجوع والتشرد والعدد غير المحدود للمواطنين في أوطان ليس لهم ذنب فيها.

عندما نبحث في السلام ورسم أهرام سيادته سنفهم ما معنى اللا عدل في السياسة واللا منتصر وأشباه الهدنة التي تقف على بيوت العناكب. وفي عزمنا على تعريف السلام من واقعنا سنعرف حتمًا ما معنى النزوات السياسية والبروتوكولات السرية والعلنية وما بين صحف العالم والإذاعات المحلية ستعرف متى ولماذا وأين يقدم السلام؟ ومن يهدينا إياه ومن يهدينا إلى الوصايات وتنكيس الرايات والخراب.

سيخبرك التاريخ لماذا تطوى صفحات الدم والدم مازال نازفًا على أغطية طاولات المفاوضات وانتصارات الكذب وأشباهها.

حين تدخل في عمق فلسفات السلام ووثائقياته فإن الإدراك بانتظارك ليجعلك تسأل نفسك من هم عرابي السلام في استقرار البلدان وهل هم الأطفال الذين ذهبوا إلى دوائر النفوس في مدنهم وقراهم ليسجلوا مواطنتهم ويكملوا مسيرة حياتهم بدون آبائهم وأمهاتهم؟ أم الساعين إلى إحلال السلام من أجل أمجادهم الشخصية ورياء سلطتهم ومكاسبهم؟؟

ونعود أخيرًا للسؤال في السياسة؟ ونقول لأننا نؤمن بقضايا النساء اللواتي يصارعن أقدارهن ومجتمعاتهن في انتزاع فرصهن في الحياة من أفواه السباع. بأنهن يؤمن بحقهن بالتعلم والعمل والإنجاز ومن أجل صراعهن في مربعات النمطيات المقيتة ومن يردد على مسامعها يحق لي مالا يحق لك سيدتي على الإطلاق. إن السياسة ملزمة بأشد اللزوم لكي تنصفهن من يعتبر أن الحرية للمرأة انحلال والتعبير وقاحة والرأي سذاجة. حقا من اعتبر النساء ناقصات عقل ودين وراح ينقص بكل ما يستطيع من حقوقها وكيانها واستقلالها وشرفها بكل ما يملك من أدوات تعينه عليها ولم يكن عونًا إليها.

إن مواطن الضعف التي تكمن في قصص النساء هي ليست مسائل شخصية وحسب إنما هي نخر داخل بنى مجتمعنا وهي بؤر تلاشي دوائر السلام في أوساطنا لتصبح فيما بعد ساحات نزاع جاهزة للاشتعال من أي فتنة قادمة شاء من شاء وأبى من أبى.

إن أردنا الإحاطة والربط بين السلطة والشعب من جهة ورمزية العلاقة الجندرية بين الرجال والنساء في الودية والندية والتنافسية والأفضلية من جهة أخرى سنعرف جيدًا من أين تبدأ الديمقراطية ومتى نودع الديكتاتورية.

إذا كنا نريد القوة والتماسك المجتمعي فعلينا أن نحارب من أجل إيقاف التمييز الجندري والعنف الأسري وإيقاعات إلصاق التهم بأنهن المتمردات صاحبات الصوت العالي المتعاليات على قوامة الرجال وتعاليم الأديان وليست الطاعة في الخنوع لمن يريد أن تضعي رأسك في الأرض عندما يغضب منك عنتر. إن الإنصاف مصفوفة كاملة وحلقة واحدة تبدأ من الوعي في حلول مشاكل نسمع رنينها كل يوم من أمهات وفتيات وتدور في توالي عافية باقي الأزمات وإعادة الرشد والتوازن في الحقوق والواجبات والحريات. وعندما تكون السياسة همنا ومبلغ عملنا فإننا نبدع في البحث والرصد والمتابعة ونكتب ما يكشفه الواقع بفسيفساء حلوه ومره ونجد الطريق يحتاج إلى تجدد الهمم سنعرف أنه بكل ما أوتينا من إرادة لماذا علينا أن نكتب في السياسة.

 

ملك توما

كاتبة سورية







 

Whatsapp