لم يخطر ببال السوريين يوماً أن يكون منصب رئاسة الجمهورية مطروحاً في مزاد التنازلات، كما يحدث الآن فقد وصلت اﻷمور في التعامل مع الترشيحات للرئاسة في سورية المستقبل إلى مستويات لا يمكن أن يقبلها عاقل من تقديم أناس ترشيحهم لكرسي الرئاسة بصورة جدية أو هزلية أو على سبيل الدعابة فكيف وصلت الأمور إلى ماهي عليه؟ ومن الذي أوصلها؟ ولماذا يحدث كل هذا؟ وماهي أسبابه؟!
الوضع الذي وصلت إليه سورية بعد ما يقارب العشر سنوات من عمر الثورة التي تعامل معها النظام بالقمع والقوة المفرطة فأوصل البلاد إلى ماهي عليه الآن من تدمير لكل بناها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى لم يبق فيها شيء ذو قيمة فعندما لا تبقى قيمة للإنسان في ظل الاستبداد فمن الأولى أن لا تحترم أي قيمة أخرى في الوطن لذلك فقد أصبح هذا الوطن فريسة وكل شيء فيه معروض للبيع في مزاد التنافس بين النظام وداعميه من الميليشيات الطائفية أو الأجنبية أو العصبوية التابعة لهذا الطرف أو ذاك، وكلها إرهابية، وبين فصائل المعارضة بكل أشكالها إسلامية كانت كهيئة تحرير الشام أم قومية كالأحزاب الكردية وهذه التنظيمات مصنفة إرهابية إلى فصائل الجيش الحر أو الوطني الذي أصبح يعاني من الترهل والعجز ولديه من الأخطاء التي تصل في بعض الأحيان إلى أن تصبح خطايا وربما تدرج بعض فصائله تحت المنظمات الإرهابية مستقبلا كل هذا أفقد المواطن السوري إلى حد كبير الأمل بالمستقبل نتيجة تغول المسلحين من هذا الطرف أو ذاك ونتيجة الأخطاء الفادحة المرتكبة بحق الوطن والمواطنين من قبل جميع الأطراف فقد أصبح أغلبهم أمراء حرب لا يهمهم ما يجري في سورية إلا مصالحهم وأرباحهم. وحده المواطن البسيط دفع ومازال يدفع الثمن غالياً دون أن يرى أي بصيص أمل لحل قادم في المستقبل القريب.
أمام سوداوية هذا المشهد الذي يراه المواطن برزت مؤخراً سوداوية أخرى أقرب ما تكون إلى الكوميديا السوداء وهي التنافس على الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية وما يطرحه هؤلاء المرشحون من رؤى واستعداد لبيع سورية كما باعها النظام لروسيا وإيران وإسرائيل قبلهما وربما أكثر منه إذ أصبح خطاب بعض المرشحين أكثر جرأة في التعاطي مع التبعية لهذه الدولة أو تلك خصوصاً فيما يخص إسرائيل فقد أبدى هؤلاء المرشحون استعدادهم للذهاب إلى إسرائيل لتقديم فروض الطاعة بمجرد سماعهم تغريدة لايدي كوهين الإعلامي الإسرائيلي الذي لا يتمتع بأي صفة رسمية وترشيحه لفهد المصري الذي تلقف هذه التغريدة واعتبرها صكاً ربما صدق أنه أوصله إلى كرسي الرئاسة ليظهر عبد الله الحمصي المرشح الآخر الذي اعتبر أن فهد المصري ليس إلا عميلاً لإسرائيل وأميركا بينما هو أكثر وطنيةً لأنه رفض العرض الإسرائيلي له بملايين الدولارات من أجل القبول كما قال في منشور له على فيس بوك وتحديه لإسرائيل والمصري
ثم توالت سلسلة الترشيحات من أشخاص آخرين أغلبهم غير معروف أو لا يعلم من الأمر شيئاً وربما انخرط بهذه الموجة مدفوعاً من بعض أجهزة المخابرات وقد تكون السورية إحداها أو بعض دوائر الأبحاث العالمية لتدرس هذه الظاهرة التي أصبحت أقرب إلى العبث منها إلى الجدية خصوصاً أن كل ما يجري في سورية ربما أصبح عبثياً لأنهم في الحقيقة لا يملكون شيئاً من أمرهم لذلك ففي بعض الأحيان تصبح العبثية والكوميديا السوداء هي المتنفس الوحيد في ظل عدم القدرة على الفعل.
ضمن السياق ظهر من بين المرشحين مرشحاً هو محمد صابر شرتح الذي يتمتع بقدر وافر من القدرة على التفاعل والتمثيل ما بين الجد والهزل يتفاعل مع الأحداث ويستطيع التعامل بدكتاتورية وسخرية مع الموضوع وبنفس الوقت لديه ثقة عالية بالنفس رغم أن صورته حقيقة هي صور المرضى النفسيين ورغم ظهور أمه وكلامها عنه على وسائل التواصل إلا أنه استطاع بأسلوبه الذي جمع فيه المتناقضات أن يحقق أكبر تفاعل جماهيري وقد حقق متابعات ومشاهدات أكثر مما حققه خطاب رئيس النظام الحالي أمام مجلس الشعب الذي لجأ فيه ربما عن عمد أو حقيقة إلى التوقف عن الكلام وقطع الخطاب لفترة من الزمن في محاولة لخلق نوع من الإثارة فيه إن كان مقصوداً أو للصدفة جاءت هذه الإثارة إن كان لتعب أو مرض حقيقي رغم ذلك فقد بقي الشرتح الذي يبث يومياً ولعدة ساعات هو الأكثر متابعة وأصبح له جمهوره المتابع ليس لأنه مرشحهم الأفضل أو لأنه القادر على حمل الأمانة في سورية القادمة بل لأن الشعب فقد الثقة بكل السياسيين الذين يتصدرون المشهد نظاماً ومعارضة وأصبح يبحث عن هذه العبثية والهزلية التي ربما هي نوع من المعاوضة النفسية في ظل عدم القدرة على إفراز أفراد قادرين على حمل الأمانة وإدارة الملف السوري بطريقة واقعية توصله إلى بر الأمان حيث أصبح جميع السوريين يرونه بعيد المنال لأنهم يرون أن المجتمع الإقليمي والدولي المتدخل في الأحداث السورية حتى النخاع لم يقرر بعد السماح لهم بحل أمورهم التي لم يعد من الممكن حلها إلا بموافقة خارجية لأن الجميع مرتهنين. هذا الواقع وهذا التنافس على كل شيء في سورية هو مزيج من الجد والهزل والسخرية من الواقع المر الذي وصل إليه السوريين، وربما أن متابعة الشرتح وأمثاله بعد أن تمت تصفية كل سورية على كافة الصعد ولعل أهمها الصعيد البشري الذي أنهك إلى حد كبير مما جعل البعض يتابع الفهود والأسود والشراتح وقد يكون هذا هو قدر سورية أن تبتلي بأسماء هي لبشر ولكنها في الحقيقة أسماء حيوانات يتابعها السوريون للتندر والضحك رغم الألم ولسان حالهم يقول شر البلية ما يضحك.
صفا عبد التركي
كاتبة سورية