موال كردي حزين


 

 

أطول ثوب رأيته كان ثوب الحزن

حين ارتدته أمي

ووقفت أمام الباب تستقبل الضيوف

سألتها عن أبي

وسألتني عن الجهات

كانت تعرف بأننا نضيع

في المكان الذي كنا نعرفه كغرفة نومنا

المكان الذي لنا.

* الوداع. 

(اكتظ بيتنا بالأقرباء وأبي نائم في الصالون وأمي تتأمل المشهد، وحين حملوه تعالت صرخات أمي وكأنه مات من جديد وحين وصلوا به إلى الباب غنت أمي موالاً كردياً حزيناً وغادروا).

هنا الغياب

يفتح شهية البحر على السفن

يغلق الأبواب على أصابعك

هنا تعلق بين البقاء والرحيل

وتبقى واقفاً كتمثال يبتسم

لست هنا

لست هناك

أنت ابن رحلة مضت

ابن فرح انتهى وغادر الناس إلى بيوتهم يحملون سكاكر ليلتك للأطفال

قالت أمي: سنغادر المكان

وغادرنا والطريق كانت أطول طريق

لم تقل يومها بأننا نضيع

تكابر وتسحب ذيل ثوبها الطويل

طواويس الحزن

ألوان الحرمان البراقة وريش الأمنيات

وأنا أجمع فوارغ الرصاص في ساحة القرية

وأسال الأطفال من الذي مات

إنه عرسنا الأبدي

أمي تودع أبي بالمواويل

بصوت لم أعرفه جميلاً هكذا

تغني لعشرة العمر

وتزف حياتها للانتظار

لم نكتف بأربعين يوماً من البكاء

وبدأنا من جديد بعد الأربعين

وكأنه للتو مات

لو كان أبي يرى

كيف تهنا في الفراغ

لو كان يعرف أن أمي صوتها

هكذا جميل

لكن أمي

غنت الموال في كل حياتها فقط مرتين

مرة حين مات أبي

ومرة حين سافرت أختي

كانت ابنتها البكر

* العرس.. 

اكتظ بيتنا بالضيوف، معهم الطبول ورجل غريب صار واحداً منا، كانت أختي ضائعة في ثوبها الأبيض، كانت سعيدة وحزينة ومرتبكة، وكانت جميلة كقمر أبيض وأمي تتأمل المشهد، أخذها من يدها ذلك الغريب وغادروا، بكت أمي وبكت، وبعد يومين سمعتها تغني ذلك الموال.).

لوكان أبي يعرف لما مات بيننا

لاختفى في مكان ما 

كما يختفي السياسيون في هذا الوطن

ولظلت أمي تنتظر

كانت ستقول لنا كل يوم: حلمت البارحة أنه يعود

فأمي تصدق الأحلام

رأت أبي في الحلم بعد عامين

قالت: هو في الجنة

(كانت ثيابه بيضاء ولحيته طويلة وقال لي: أنا في مكان جميل)

أمي ارتاحت من ذلك المصير

فأرسلت أبي إلى مكان جميل

ولم تنتظره

قالت هي أعوام وألتقيه

لا أحد كان يعرف أن أمي صوتها جميل

لكنني سمعتها مرتين

في الوداع والزفاف

وحين سافرت أنا قال لي اخي:

بعد رحيلك بيومين

غنت أمك ذلك الموال

(آي لولو دلال)

موال كردي حزين.

.........

آي لولو دلال تعني: يا أيها العزيز.






 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp