أرواح سبعة


أمسك بيدي كل يوم وامشي معي، رًّبتُ على كتفي عند انكساري وامسح دمع ذاتي، أحاول جاهدة تغيير مزاجي فأرقص أمام مرآتي، ألملم شعري بحركة واحدة للوراء، أقف على أخمص قدمي، أرفع كلتا يديّ مقلدة راقصات بحيرة البجع فأعبث بأصابع يدي التي كنت أداعب بها قطتي الكسولة مثلي فأكتشف بالصدفة أن طول خطوطها وعرضها لا تشبه الأخرى.

تلك الحركة أجمل ما كنت أصنعه عند شعوري بالملل، أعدُّ النمش عند قمة خدي وكيف زاد تناثره عند تعرضي للشمس عند الظهيرة بشكل مفرط وأقول له تناثر كما تشاء فلا تعنيني تلك المساحيق التي تخفيك طالما أنك لا تخفي ضحكاتي ولا تتأثر عند انسكاب دمعة واحدة ولا تحاول حتى دغدغة بعوضة حاولت النيل مني ذات ليلة صيفية...!

لا أنكر أنني مولعة بالقهوة لكنني أحب كوب الشاي عصرًا، ولا أخفي ولعي بالشرفات التي تطل على البحر أو على حديقة واسعة شرط أن يملأها ضجيج الباعة وإن كنت أعشق عدّ السيارات الحمراء التي تمر في شارع واسع طويل يخلو من مكان لعبور المارة.

أجلس أحياناً في زاوية صغيرة وأبدأ في ممارسة طقوس غريبة، أغمض عينيّ لوهلة فأراني أخرج مني وكأنني بتُّ أصغر بسنوات كثيرة، شعري طويل كثيف يستلقي على كتفي من جهة، وهامتي أقصر مما هي عليه الآن، أمشي بخطى سريعة وأتلاشى عن نظري، أضيع في الزحام ...!

أفتح عيني وألتفت للجهة الأخرى، أنا أكبر وأميل لامرأة ناضجة بكعب عالٍ تطرب لإيقاعه أذني وأدندن على مقام الرست معه وأبتعد وأدور في كل الزوايا، ما أصعب دوران تنورتي الملونة وهي تشعرني بالدوار ...!

استلقي لأخفف من دوران المكان حولي فأخرج هذه المرة مني بلا وجه وبلا ملامح، وجهي يعتريه الشحوب كأن منديلًا أبيض من شاش رقيق اُسدل عليه يحاول أن يبحث في الأفق عن شيء ما، أحاول البحث معي عنه وأسترسل في البحث لساعات ...!

ها قد حلّ المساء وأنا فيه امرأة رمادية بالكامل لا يغريها أحمر شفاه ورديّ بالضحك ولا تبهجها فساتين ملونة، يكفيني أن الرمادي فقط  يشعرني بالدفء  كسماء  في ربيع دافئ فأكتسي  بالهدوء....!

الليل هذا صاخب جداً في الجانب الآخر للمدينة أصوات أبواق السيارات تعلن عن موكب عروس جديدة تشبهني ربما في النوع البشري لكنها أجرأ مني عندما اعترفت بحبها لشاب يقطن معها في ذات الحي وتبادلت معه مكاتيب الغرام...!

المرأة الخجولة تسكنني، أحاول الهروب منها، تركض خلفي في أزقة ضيقة تراقبنا عيون الجارات الثرثارات، أركض وأركض، أهرب منها، أدخل الى درج بناية شاهقة، وعندما أظن أني نجحت أجلس على زاوية لأرتاح فينفتح باب عريض، أدخله فأجدني في عالم سحري تتدلى منه تفاحة أغوت حواء فأخرجت بقضمة منها آدم من جنة الخلود...!

وقت الصبح على وشك الدخول، أصوات نحنحة المؤذن بدأت، وبعض نوافذ الجيران كأزرار بيانو مرهق تضيء وتنطفئ، أريد أن أرتاح، أدعو أرواحي السبعة على عجل فتندمج في هيئة واحدة، تتسرب في مساماتي واحدة تلو الأخرى، تعتريني قشعريرة باردة ورذاذ العرق يعلو وجهي المتعب. 

أريد أن أنام فقط ...!

أتلمس خطوط يديًّ من جديد وأتذكر آخر شيء قرأته عن أنثى الجوزاء المزاجية، أضحك في سري، أخفي أرواحي السبعة بداخلي وأنام على أمل نهارٍ جديد ...!

 

 

مرام رحمون

كاتبة سورية

Whatsapp