أنا في سطور


 

 


 

ولدتُ في العام ١٩٧١ وهو العام الذي صارت فيه سوريا من أملاك حافظ الأسد لكنني نجوت بأعجوبة من أن أكون من منجزات الحركة التصحيحية.

في الثانية من عمري وقعت في الحب لأول مرة، أحببت أمي وكنت أشتاق لها طيلة الوقت. في السادسة من عمري سجلتُ أول حالة هروب من المدرسة وجلست في الحديقة إلى أن عاد الأطفال إلى بيوتهم.

في السابعة شب أول حريق في بيتنا إثر تسرب للمازوت فأنقذتنا أمي بشجاعة رجل وأخمدت النيران بساعديها، وكانت الخسائر حينها حصيرة جميلة جلبها أبي معه من العراق. في التاسعة تمًّ طردي من المدرسة لأنني قلتُ للأستاذ: لا تضربني.

في الحادية عشر تعلمت التدخين، وفي الثالثة عشر حضرت أول فلم بورنو وتعرفت من خلاله على جزء مهم من الحياة لم أكن أعرفه، كنت أعتقد أننا نتكاثر باللمس.

في الخامسة عشر أحببت فتاة شركسية ليومين فقط لأنها سافرت في اليوم الثالث دون أن اعترف لها.

في السادسة عشر وقفت مع اهلي وجيراننا وقفة احتجاجية على الرصيف في حي صلاح الدين بحلب وكانت الوقفة الاحتجاجية تخص ضحايا (حلبجة).

في السابعة عشر تعرفت على تشي غيفارا وتغيرت حياتي كليآ، في التاسعة عشر نمت ليلة في السجن، ليلة واحدة فقط أذكر كل تفاصيلها ورأيت عجوزاً يبكي.

في التاسعة عشر اشترى أخي من أحد الضباط إجازتين لقيادة السيارات، واحدة كانت لي.

في العشرين ذهبت للخدمة العسكرية ودعس الضابط على رأسي وكانت أول مرة أسمع فيها كلمة (عرصا ذنب).

في الرابعة والعشرين اتصل بي ابن الجيران يطلب مني العودة بسرعة إلى البيت ولمّا عدت رأيت أبي ميتاً فحملناه على ظهر سيارة بيك آب متجهين إلى قريتنا (المعبطلي)، وجلست في صندوق البيك آب ماركة تويوتا أبيض بجانب أبي وتحدثت إليه 75 كيلو متر وكانت أول مرة يسمعني فيها أبي دون أن يقاطعني.

في الخامسة والعشرين تزوجت من امرأة جميلة، وفي السادسة والعشرين غادرت سوريا للأبد.

في السابعة والعشرين أصبحت أباً للمرة الأولى، وفي التاسعة والعشرين أصبحت أباً للمرة الثانية. 

في الثلاثين رسبت للمرة الثانية في امتحان القيادة الألماني وحصلت على إجازة السوق بعدها بأشهر.

في السادسة والثلاثين وحين زرت مدرسة طفلتي تمنيت لو أعود طفلا، في السابعة والثلاثين ظهرت شامة أسفل عيني وقال لي الطبيب إنها شامة شوق فاتصلت بأمي. 

في الأربعين كتبت رسالة حب لأمي ولم أرسلها، في الواحدة والأربعين اتصلت بي طفلتي وأنا خارج المنزل:

  •  بابا ... بابا.. صارت ثورة في سوريا. فتذكّرتُ غيفارا 

في الثانية والأربعين سقط أول شهيد أعرفه بشكل شخصي، في الثالثة والأربعين جلست مع أمي كغريب، وفقدت رخصة القيادة بسبب كثرة المخالفات المرورية. 

في الرابعة والأربعين انتقلت للعيش وحدي في منزل يتألف من غرفتين وتعلمت من جديد بعض الأعمال المنزلية وتحضير الأكلات السريعة.

في السادسة والأربعين اكتشفت سر الوقت إنه يمضي بسرعة نسبية.

وفي السابعة والأربعين، وفي الثامنة والأربعين أشعل الشموع لشهداء الإنسانية وأجدد رفضي للطغاة.

خسرت أشياء كثيرة لكنها لم تكن لي، وربحت أشياء ثمينة وتعلمت أن الحياة آلة قد تطحن أصابعك إن علقت بها، واكتشفت أن هناك علاقات أعمق وأسمى من الحب بكثير هي علاقات أبدية وخالدة، وصار عندي أصدقاء عمر يملؤون حياتي بالأمل.

في التاسعة والأربعين سقطت امرأة من السماء، سقطت في شرفتي فانتشيت بها، وفي الخمسين سأسافر في رحلة غامضة كي أجلب لتلك المرأة عشبة الخلود، لن استحم في الانهار كما فعل جلجامش.

وفي نهاية الرحلة سأموت في غابة بعيدة تاركاً لكم مئات الآلاف من الرسائل والحب.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp