عجلة الحياة والمعارك العبثية



 

عجلة العمر تدور مذ خُلق هذا الكون، وطاحونة الأيام تطحنُ السنين تِلو السنين،

الحياة حلبةُ صِراع كبيرة معاركُنا مع ذواتنا فيها عبثيّة لا نتاج منها سوى خسائر حتمية، تقذفُ بِنا خارجها لتحمل هي بكبدها الحزام الذهبي معلنةً انتصارها في كل جولة، ونحن لا نتراجع عنها إذ لا حيلة لنا إلا في البقاء والصبر على الضربات المتتالية. 

بوصلتنا قد ضيِّعت كل الاتجاهات، ونحن نسير مع سِهامها إلى عُمق بحرٍ يبتلع كل شيء يقترب منه، ويا ليتنا نجيد السباحة حتى نتمكن من النجاة. 

مضى من الزمن الكثير، وقد بلعَتِ الأرض هي أيضاً على مر العقود أجيالاً وأجيالا، هذا المصير لا مفرَّ منه، وله موعد معنا جميعًا، وقد عهدته لا يخلف الميعاد. 

الحياة أقصر بكثير مما نظن والأيام كذلك، وعقارب الساعة تهرول مسرعة خاطفةً معها ساعاتٍ من الخيبات، دقائق من الشهقات، وثوانٍ من الزفرات، نكبات، هفوات، سقطات، وربما انتصارات.

قطار الحياة مسرع لا يتوقف، والرُّكاب بعيدي المحطة أنهكهم طول السفر ولا يعلمون متى تُحط رحالهم وبأي أرضٍ تستريحُ رِكابهم؟!

أرواحهم حُشرت بهذه الأجساد المنفية في هذه الخرابة، وانتماءُهم الدائم لتلك المحطة الباقية، والسؤال متى أصل إلى المحطة الأخيرة ؟!

قبل ليلة قبل ليلتين، قبل عام، قبل عامين، قبل جيل كانوا هُنا معنا، لكنهَم رحلوا ولم يُبقوا لنا إلا فُتات الذكريات، وبقايا الصور التي تحمل ملامح فرحهِم، ضحكاتهم، همساتِهم، عبير قلوبهم ونقاءهم، وكل صورة تحمل ألف ومضة.

رحلوا ولم يأخذوا معهم إلا العمل، العمل البَاقِي أثره خلفهم في الدنيا، بينما ذهبت معهم حقيقتُه وجوهره، يوم أن أدركوا أنها فانية لا بقاء فِيها لثمرة يانعة يقتاتون عليها فتنفعهم وتكرمهُم بالخلود والهناء، عملوا على إخراج ذواتِهم من اللون الرمادي الباهت إلى اللون المصبوغ بصِبغةِ السماء، صبغةِ الخُلد في دار المُقامة 

عمل، كلمة تستوقفني عند كل مرة أقرأها، ما هو هذا العمل الذي يجعل البشر بعد رحيلهم أصحاب أثر؟!

أهوَ الثبات على الحق، أم الموت على المبادئ الكريمة، أم التخفي بالصالحات والاستغناء عن مدح الناس لثناء الله وحده، أم هوَ الزُّهد عما في أيدي الخلق طمعًا بما عند الخالق، أو لعلها العزلة على رأس جبل في احتدام الفتن؟!

لا أعلم.. لكن المؤكد أن النية هي التجارة الرابحة وإن صَغُر العمل وقَل، وعلمك اليقينيّ بزوال هذه وأبدية تلك هو عدتك للعمل وعقيدتُك هي وثيقة القبول.

لا أعتقد أن اسمك سيكون في الصفحة الأولى من كتاب التاريخ، إلا إذا طهرت قلبك من الحسد، ونقيته من الحقد، وأخرجت منه البغضاء، وأزلت منه الشحناء، ووجهته لله بعزم وعقدت النية على البذل والعمل الدؤوب.

يا صديقي أنت لا تعمل للناس، إنما أنت عاملٌ لنفسك، الكلمة الطيبة التي تُلقيها في أذن من تكره ثمرتها لك، الصدقة تطرحُها في يد من يرجو زوال نعمة الله عنك خيرها لَك، اليد التي قبضتَ عليها يوم أفلتتك للهاوية، العنق الذي أعتقته يوم حدّ سكينه لجز عنقك، الرأس الذي مال على كتفك وقد خلع الأخرى، كل خير تكمن حقيقته فيك لا فيمن تقدمه لك. 

{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْد اللهِ}

{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

 

 

عزام الخالدي

صحفي وكاتب سوري

Whatsapp