أنا عاشقٌ يا أمِّي...
أنا عاشقٌ منذُ الولادةِ، لم يفارقْني عبيرُ الشَّوْقِ
حضنُكِ الفوَّاحُ
آخرُ قصّةٍ لمْ تكتملْ
وبقيَّةٌ من أغنياتٍ شاركتْنا الدَّرْبَ
حيثُ سنابلُ القمحِ الشَّهيَّةُ
حيثُ تناثرتْ أحلامُنا والذِّكرياتُ
وحيثُ تهمسُ لي فراشاتُ الأملْ
أنا عاشقٌ
أنا عاشقٌ يا أمّي
***
ورجعْتُ يوماً..
ربَّما عند المساءِ
قميصيَ المقدودُ يشرحُ بعضَ ما بيْ
خطواتيَ انتحرَتْ قريباً مِنْ مَقامِكِ، لمْ أقُلْ شيئاً
فليس لديِّ عذرٌ كي أبرِّرَ فعلتي
لا شيءَ يغفرُ ليْ سِوى عينيكِ، قلبِكِ..
(أيْ بُنَيْ
لا تقطفِ الرُّمَّانَ قبلَ نضوجِهِ)
وضحكتِ يا أمِّي، وعندَ حدودِ ضحكتِكِ النَّديَّةِ
ذابَ خَوفي، وارتيابي
(أوَّاهُ يا أمّي الحبَيبةُ كَمْ حَلِمْتُ
بأنْ أُمَزِّقَ مرَّةً أُخْرَى ثِيابي)
***
أنا عاشق..
وتحفُّ بي أنّى اتجهتُ ضفائر الأشواقِ
زيتونُ ضيعتنا، عرائشُها...
وما دوَّنْتُهُ بالأمسِ فوق (مساطبِ) التَّنُّوْرِ
فرحةُ طفلةٍ أهديتها من رغيفيَ نصفَهُ
فرحي بها
بجدائلٍ ألوانُها تمتدُّ في أعماقي
(اللهُ، ما أشهى رغيفُكَ!)
أخبرتني، قلتُ: فيه بقيَّةٌ من عينيكِ
فيه حكايةٌ غزلتْ معانيها أصابعُ أمّي
***
وَتُشِيرُ شاخصةُ الطَّريقِ
هناكَ كانَ مقامُ أمِّكَ
دونَهُ أطلالُ أوِّلِ ذكرياتِكَ بقعةً سمراءَ يسكنُها الحنينْ
وهناكَ يرقدُ ما تبقّى مِنْ فطوركَ
صوتِكَ المبحوحِ
آخرِ رعشةٍ دونتَها يوم انحنتْ أوتاد خيمتها..
وغابت عنكَ أسرارُ العيونْ
***
وتشيرُ شاخصةُ الطريقِ..، تشيرُ
ليس يهمُّني إلى أيّ الجهاتِ، فكلّها مشغولةٌ بنداكِ
مهما يكنْ
فلديَّ لمستُكِ الحبيبةُ
رقصة أخرى تقرّبني إلى الياقوت،
تحملني إلى آفاقه فأرى نوافذ بيتنا، ...وأراكِ
***
وتشيرُ شاخصةُ الطريق
ويهمسُ الحلمُ الذي ما نامَ قطُّ
يضيءُ شارِعُنا، وتقفزُ طفلةٌ أعطيتُها اسمَكِ..، واسمي
فأنا كما تدرينَ، لم أبرحْ حكايتَنا
أنا ما زلتُ حيثُ تركتِني
أسقي أغانينا بما في مقلتيَّ من الصَّدى، والشوق
أُطلقُ في مداراتِ الترقُّبِ نجمي
أنا عاشقٌ..
أنا عاشقٌ يا أمي.
*
عبد القادر حمّود
شاعر وكاتب سوري