لا شك بأن الشباب هم الأكثر تفاعلًا بالأحداث وهم الأكثر حماسةً لأي تجديد، وتكاد سمة التمرد على القديم (ماركة) خاصة بهم. والجديد دائمًا هو رشوة الشباب وهذا ما تنتبه إليه صناعة الاستهلاك لتقدم لهم منتجاتها الفكرية والسياسية بأزياء عصرية تغريهم فتحقق مكاسبها الاقتصادية وتضمن استمراريتها.
هنا التحدي الأكبر لدى الجيل الشاب، أن يقف ضد هذه المغريات وبذات الوقت يحقق رغبته وطموحه. وليس أمره سهلا في ظل الثقافة العالمية التي هيمنت على العالم عبر (الميديا) والهاتف الذكي، فكيف يمكن إيقاف هذا التدفق كتيار الكهرباء الذي أنت بحاجة إليه ولكنه قاتل إن لمسته دون عازل واقٍ؟
تجربة الكبار درع محصن للشباب
شباب اتحاد طلاب الأناضول من المؤمنين بأن الاستعانة بحكمة الكبار وأصحاب التجربة هو درع محصن ضد سهام الغزو الفكري والثقافي، وهو سلاح فتاك لجرثومة التخلف والتجمد والتصحر. وهو خير معين لمواجهة التحديات وبناء المستقبل، وكان اللقاء مع البروفسور خير الدين كارامان أول خطوة لهم في هذا الطريق.
ظهر حوارهم معه على شكل كتاب من خمسة فصول، عن الشباب والمدينة والوعي والمرأة والنظام الإسلامي. حدثهم فيها البرفوسور خير الدين كارامان عالم اللاهوت والكاتب الذي له 29 كتابا منشورا حول الدين والفقه والحديث والاجتهاد والأسرة والوحدة الإسلامية والصوفية وتحديات الواقع.
ابتدأ خير الدين مشروعه في التأليف بكتاب مدرسي حول أصول الفقه عام 1965 ومن ثم صدرت أطروحته الاجتهاد في الشريعة الإسلامية في عام 1975 ونشر كتابه (الحرام والحلال في حياتنا اليومية) عام 1979، وقدم ثلاثية الخطوط العريضة للشريعة الاسلامية في أعوام 1984و1985و1986 وخرج كتابه (معوقات الأسلمة) عام 1995 ثم اتبعه كتاب (حقوق الإنسان) في عام 1996، وآخر كتاب صدر له كان في عام 2005 عن (ما هو حوار الأديان)، ولازال يكتب المقالات في الصحف والدوريات.
من هو الشاب وما هو دوره وكيف يحققه؟
يربط البروفسور خير الدين قرامان الشباب بالتغيير، فكل من يملك أفقًا لتغيير الكون هو شاب، ولذلك حسب رأيه "فإن كل من يريدون تغيير أنفسهم والعالم هم من الشباب". وينطلق من سرد تجربة له في عام 1940، حين تنبأ له مدرسه بأن يكون متسولا حين علم برغبته لتعلم اللغة العربية لفهم القرآن، في حين هذا الهدف -أي تعلم العربية-كان في تلك الفترة مهمًا للآباء لتحقيق ثلاث غايات مهمة وهي: قراءة الفاتحة، والقيام بمراسم الدفن وفق الشريعة الإسلامية، ولضمان استمرارية أئمة المنابر.
ثم يشير إلى كيف كانت الصعوبة في الحصول على معلم دون رعاية أو دعم. ثم ينتقل لسرد كيف كانت حركة الشباب في خمسينات القرن الماضي، حيث كان الشباب منقسم بين يساري وقومي واسلامي، والقوميون كانوا أكثر من فرقة، لكن خير الدين كارامان يصنفهم فرقتين، فرقة عنصرية ملحدة، وفرقة معتدلة التي ضمت معظم قادة تلك الفترة. ثم يشير إلى أهمية الصحافة وكيف كان لكل فئة مجلة تصدر باسمها. مشيرًا إلى أن القراءة كانت أهم مصدر للشباب بمختلف تيارته.
ثم يتحدث عن الطريق الذي اتبعه، من خلال التعلم المزدوج، العلم في المدرسة والشريعة في الكُتّاب، وأنه كان يملك من الوعي مكنّه من التخلص من تأجير عقله لاتباع أي تيار، فقد كانت القراءة هي الأهم له، ثم إقامة علاقة مع الذين تتوافق معهم وهي الخطوة الثانية المهمة.
ثم يشير لا بد للشباب بداية أن يكون لهم قضية واقعية، بغض النظر عن نوعها ومضمونها، والمهم هنا كيف يتم تناول هذه القضية، فلكل ايديولوجية هدفها وأسلوب بلوغ هدفها. لذلك على الشاب اختيار المناسب والأفضل.
وعن سؤال من يصنع من؟ الحضارة أم الإنسان؟ يقول خير الدين كرامان بأنه مثل سؤال من أتى بمن؟ البيضة أم الدجاجة؟ ويوصي هنا ضرورة عمل كافة المؤسسات التي تم إنشاؤها لتحقيق الهدف معا بحيث يكون الإنسان هو المحور. وكلمة إنسان تشمل الجنسين الذكر والأنثى، ويرى الإسلام غاية وليس وسيلة.
كيف تحقق الوحدة في ظل الاختلاف؟
يجيب خير الدين كارامان في الفصل الثاني من الكتاب على اسئلة حول مفهوم المدينة وما يتعلق بها، وما هي حقوق الإنسان وواجباته، وعن الفطرة، والاختلاف والإقصاء والتهميش، وأن المشكلة الكبرى في تركيا اليوم بين تيارين، تيار نقي يدعم ثقافته وهي اسلامية الأصل وبين تيار يرى الخلاص في التغريب. ويبين كيف انحاز الشعب دينيًا وثقافيا على الرغم من القوة والضغط لبتره عن ثقافته ودينه. وكيف استطاع أن يحافظ على ذلك ويعيش واقعيًا وفق الطريقة الغربية.
يرى خير الدين كارامان بأن السبيل الأمثل للشباب لتحقيق التوافق في ظل هذا التنافر، بين الماضي والواقع، هو التشجيع للعمل الايجابي وتحبيب الإسلام والشرع لهم، وأعطى مثالا لشاب كان في حالة سكر دائم، كيف كان يطلب من أستاذ خير الدين الدعاء له، فكان الأستاذ خير الدين يدعوا له ويقول لذلك الشاب السكير بأنه سيتجاوز هذه المرحلة، وأحيانا يداعبه، وكانت النتيجة بأن ذلك الشاب هجر الخمر والتحق بهم.
ويطالب بتوسيع المصادر التي يعتمد عليها الفكر الإسلامي دون الافراط بها، لا بأس من النهل من علوم الفلسفة والكلام والفقه، والتصوف، دون طمس او ازالة أي قسم، لأن ذلك سيحدث خللا. والإنسان بحاجة للدين وللثقافة، فلا يمكن الاقتصار على العلوم الدينية وتجاهل الفنون والآداب، مثلما الدين إلهي ونتيجة فإن الثقافة هي تطبيق على الحياة وإن كان الدين لونا ما، فالثقافة متعددة الألوان وضرورية.
وعي الأمة
الفصل الثالث من الكتاب ركز على موضوع وعي الأمة حيث يرى خير الدين من خلال حديثه لشباب الأناضول حول مفهوم العالم الإسلامي والنظام العالمي والأمة الإسلامية ومشروعها بأنه لم يعد اليوم ما يسمى عالما اسلاميا، انتهى ذلك مع تفكك الدولة العثمانية، هناك اليوم شعوب إسلامية، ويورد الأب السوري المفجوع بطفله شاهدا على ذلك حين سمعه على شاشة التلفاز الذي يسأل أين العالم الإسلامي والأمة العربية وصمتها على مجازر نظام بشار الأسد، وأن النظام الدولي هو نظام تقاسم نفوذ بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وأن العالم الإسلامي هو حلم مستمر ولكنه ليس متواجد على الواقع، ولكن على الشباب التسلح بالوعي لتحقيق ذلك .
ويرى لتحقيق ذلك الحلم – والحديث لشباب أتراك -ضرورة اكتساب مهارة اللغتين العربية والانجليزية للتواصل مع العالم وأن تكون هناك وحدة سياسية بين الدول الإسلامية من دون تغير الوضع السياسي للدولة القومية القائمة، وتفاعل أكثر وتواصل أكثر وحتى تشكيل قوة إسلامية مشتركة لحفظ السلام في أوربا والعالم، وحلف عسكري مشترك للدفاع عن الدول ضد الطامعين، وألا يكون هناك نزاع بينهم على القيادة والزعامة.
ويرى دوراً كبيراً للمجتمع المدني في تحقيق هذا الحلم. فهو الجسر الواصل بينها وبين الشعوب وزعامتها، وعليه استغلال فرص التقارب لتعزيز التعاون والتواصل والعمل المشترك.
الجيل النموذجي
في الفصل الأخير من الكتاب يحدثنا المؤلف عن الجيل النموذجي وكيف يمكن أن يكون، فهو مؤمن بالمستقبل، وبالشباب الذي سيحقق ذلك. سيكون الجيل النموذجي – وفق تصوره-أهلا للإسلام، مستنيرا بالوحي ومعتمدا على عقله وفهمه للقرآن، وينظر بمعقولية للعصر الذي يعيشه، يقف ضد الظالم مع المظلوم، مدركاً لوعي الأخوة، عارفاً بمسؤوليته ومتحملا لها، ومنظما للعلاقة بين الإيمان والعمل والأخلاق.
الحياة الإسلامية في النظام الإسلامي
يلخص الأستاذ خير الدين كارامان رؤيته للحياة الإسلامية في ظل نظام إسلامي لشباب الأناضول في الفصل الأخير من الكتاب بتوضيح بأن الإسلام يُعطي للمنسوبين إليه واجب العيش فيه ووظيفة نشره وأنسب ترتيب لذلك النمط من العيش هو النظام الإسلامي والسؤال أي نظام؟ هذا ما يوضحه الأستاذ بأنه النظام الذي يعتمد على الكتاب والسنة، ولكنه غير منظم في هذه المصادر، ومن سيقوم بتنظيمه هم المجتهدون والمفكرون. وهذا ما يتطلب حتمية وجود مجلس استشاري واسع يتمتع بأخلاق جيدة ومتخصص في العلوم الدينية والدنيوية. ويحتاج تشكليه إلى تحالف وأغلبية في اتخاذ القرار، حيث الأمراء يطيعون العلماء والشعب يطيع الأمير. ويتطلب مراجعة دائمة ومستمرة للأحكام والقوانين والقرارات القائمة على السوابق القضائية.
كتاب هام أنصح الشباب السوري خاصة والعربي عامة بالاطلاع عليه، ومن الطبيعي ألا نتوافق مع كل ما يقوله هذا الرجل الواعي المهم، ولكنه من المفيد جدا الاطلاع على تجربته ورؤيته، فهو وأمثاله منصة انطلاق لبناء جديد. فهو قيمة مضافة لتجربة إسلامية كانت ولا زالت تلعب دورًا هامًا ومؤثرًا في شخصيات هي اليوم في مركز صناعة القرار في تركيا.
الكتاب : تحدثنا مع الشباب عن الإسلام
المتحدث: خير الدين كارامان
ترجمة: فجر بكداش
اصدار: دار تيرة كتاب للنشر 2020
علاء الدين حسو
كاتب وإعلامي سوري