لا حلَّ دون تركيا


 

ألقى الرئيس التركي ( أردوغان)- أمس- كلمة شاملة؛ لخص فيها المعايير الرئيسية للسياسة التركية، وموقف (تركيا) الدولي منها، وذلك خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة للجمعية الوطنية التركية الكبرى. وقد تخللت كلمته – أحياناً- انتقادات لمسار السياسة العالمية ومناطق الصراع وأحياناً اقتراحات.

أما الرسالة الأساسية التي حملها الخطاب فكان مفادها أن تركية دولة لا تخشى الصراع والمنافسة، لكنها دولة تسعى - دائما للسلام، والتعاون أيضا. مشيرا إلى أن (تركيا) قد أوبت أهمية كبرى في سياستها الخارجية لقضايا شرق المتوسط، وسوريا، والعراق، وإقليم (كارباغ)، والخليج العربي و( اسرائيل).

وقد بين ( أردوغان)- الذي أكد على دعم (تركيا) ل(أذربيجان)- أن (تركيا) في السنوات الأخيرة تعيش زخما من الأحداث التي ترتبط بقضيتين :

1- فهي من ناحية تشهد حالة من التقدم الاقتصادي والديمقراطي داخليا، و حالة من المقاومة خارجيا 

2- ومن نحو آخر تشق طريقا مغايرا ومميزا في النظام الدولي. 

ومن هنا ؛فقد بين ( أردوغان ) أن (تركيا)- الأكثر خبرة في جغرافية الأزمة العالمية من خلال وجودها في قلب الحدث - تسعى جاهدة ل"إقامة نظام عالمي عادل". 

نعم، إنه لمن الصعب أن تكون في قلب جغرافيا الأزمات ؛ ومع ذلك، فإن (تركيا) تدفع باتجاه ملء الفراغات، وتطوير القدرات الجديدة في المنطقة. 

يجب أن يكون معلوما أن النتائج السلبية التي خلفها فراغ القوة في المنطقة - من حولنا -لا يمكن سده عبر أي محور من المحاور، فأولئك الذين يطالبون بعدم التورط مع الولايات الأمريكية، أو (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي، وأيضا أولئك الذين يدعون إلى الوقوف إلى جانب المحور الروسي الصيني الإيراني ؛أولئك لا يستطيعون قراءة معادلات القوة في جغرافيا منطقتنا والعالم الجديد. هؤلاء هم أولئك السذج الذين يقولون لقد أصبحت (تركيا) وحيدة، أو لقد تم عزل (تركيا) عن الغرب، أو أنَّ الولايات المتحدة قد اصبحت عدوا؛ ومن هنا يجب أن تسير (تركيا) متساوقة مع خط (موسكو) و (إيران). لا بد من استبدال سياسات التكتل والتمحور بسياسة القوى العظمى التي تجمع بين المنافسة والتعاون.

علينا أن ننتهج سياسة التنافس والتعاون مع (روسيا) و(إيران) والولايات المتحدة في سوريا وبنفس المنطق نفسه مع (روسيا) و(فرنسا) ومصر في ليبيا. ومن  هنا، لا ينبغي أن نواجه (روسيا) فيما يتعلق في اقليم (كارباغ). 

هناك حقيقة لوجود معركة (كسر الساعد) بين الطرفين، ولكنها معركة خفية ومغطاة؛ وهذا يمثل صيغة اللعبة الجديدة المنافسة والتعاون. لقد استطاعت (تركيا) في السنوات الأخيرة أن تطور برنامجاُ جديدا يعتمد على تحويل الفرص أمام التحديات التي تواجهها، وهذا حوَّل التزاماتها إلى إمكانات جديدة عبر قيادات قوية وقادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، مما جعلها تأخذ مكانها على الطاولة عبر إثبات وجودها في الميدان ,حيث قامت باستثمار الأعباء والصعاب- التي جلبتها جغرافيا المنطقة- في تعزيز سلطتها الوطنية.

وفي هذا السياق ينبغي أن نذكر أمثلة مثل: الصومال وقطر وليبيا. قطعا لم تكن (انقرة) مسؤولة عن الصراعات أو التوترات القائمة في سوريا إلى ليبيا، ومن شرق المتوسط إلى الخليج العربي، وصولا إلى منطقة (كارباغ) في (أذربيجان).

لكنها اضطرت للتدخل من أجل حماية أمنها القومي؛ ف(تركيا) هي من بين أكثر العوامل المؤثرة في تحديد مستقبل هذه الأزمات

طالما ابلغ (أردغان) زعماء العالم بهذه الرؤبة التي تؤكد أنْ لا حل لهذه المشاكل دون (تركيا)،بل إنَّ (ترامب) و(بوتن) و(ميركل) و(ماكرون)- أيضا- يرون هذه الحقيقة ويعرفونها.

لقد تعرض استخدام القوة العسكرية في (تركيا) في الآونة الاخيرة إلى انتقادات لاذعة كثيرة، ومع ذلك ؛فأن دولة تملك أطول حدود مع سوريا وتحتضن أكثر من أربعة مليون ملتجئ سوري، وترعاهم هي آخر دولة قامت بتدخل عسكري في سوريا.

ما كان يمكن ل(انقرة) أن تسمح لحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب أن تقيم دولة إرهابية على حدودها، ومن هنا، فقد دخلت في توتر ومشادة مع كل من (روسيا) و(امريكا) و(إيران)،ثم من بعد ذلك قامت بإنتاج سياسة تقوم على المنافسة والتعاون، في نفس الوقت، وأيضا تم نفس الأمر في ليبيا؛ عندما كانت حكومة السراج- المدعومة من الأمم المتحدة- على وشك الانهيار تدخلت (تركيا) بناءً على طلبها.

لم تذهب (تركيا) فقط لتحمي مصالحها العسكرية في سواحل البحر، ولكنها ساهمت في إرساء السلام والاستقرار في ليبيا. ومرة أخرى بعد تحرش اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط- منذ عام 2003م - تدخلت بعد المطالب المتطرفة منهما لعزل (تركيا) وإخراجها من المنطقة.

لا يمكن ل(انقرة) أن تقبل ذلك، ومن أجل كسر هذه العزلة غير المقبولة قامت (تركيا) بحشد قواتها البحرية- من نحو - وتقديم الحلول المناسبة من نحو آخر، هذا النهج الجديد هو الاستجابة العملية لملء فراغ القوة المتشكل في المنطقة من حولنا.

لقد تأكدت هذه الحقيقة في العديد من مناطق الأزمات، وأصبح معلوما أنه لم يعد مطروحا أبدا أي حل على الطاولة بدون (تركيا).

Whatsapp