حوار مع الكاتب المؤرخ التركي حسين اوز هازار حول كتابه 


 

" الأيديولوجيات والمفاهيم السياسية في العصر الحديث "

المفاهيم كالبشر، ليست جامدة بل متغيرة وديناميكية، تكتسب مدلولات ومعاني مختلفة بحسب البيئة والزمان التي ولدت فيهما، وهي كالشجر قد تكون صالحة في تربة ما وغير صالحة في تربة أخرى، ونحن على الدوام بحاجة لإعادة قراءة المفاهيم وفق روح العصر كي نستطيع بناء الأهداف والعمل على تحقيقها.

هذا ملخص حوارنا مع الكاتب والمؤرخ الإسلامي التركي من أصل كردي حسين اوز هازار رئيس دار تيرة للنشر وعضو منبر الأناضول عن كتابه الجديد الذي صدر حديثًا باللغة التركية عن دار تيرة كتاب في حزيران 2020 تحت عنوان "الأيديولوجيات والمفاهيم السياسية في العصر الحديث".

والكتاب يقع في أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، قسم إلى عدة أبواب، وكل باب تناول مفهوماً وما يتعلق به، ومقدمة توضيحة تشرح غاية الكتاب وهدفه، ومن الصعب اختزال مثل هذا الكتاب، لأنه يتحدث عن مفاهيم لا يمكن إيجازها، وكان من المناسب أن نتحاور مع المؤلف -الذي له أكثر من خمسين كتابا في التاريخ الإسلامي والشخصيات التاريخية الفكرية والسياسية وعن القيم والأفكار الإسلامية -ليضعنا في صورة الكتاب المهم للطلبة والمهتمين بالشأن العام.

تبين مقدمة الكتاب بأنّ هذا العمل يتناول المفاهيم الأساسية وأهم الأيديولوجيات السياسية من أجل فهم الحياة السياسية في العصر الحديث. وسواء العلوم أو الأيديولوجيات فإنها تستخدم المفاهيم كوسيلة لفهم العالم. ولهذا السبب لا يمكن فهم الايديولوجيات بشكل كامل إن لم يتم فهم هذه المفاهيم بشكل عميق وكاف.

بداية سألنا الأستاذ حسين اوز هازار لماذا استخدمتم المفهوم وليس المصطلح فما الفرق بينهما؟

المفهوم عام بينما المصطلح مخصص.  قد يكون المفهوم عبارة عن أي فكرة أو شيء يمكن أن يحدث في أذهاننا. فالمفهوم هو عبارة عن كلمة أو كلمتين، عامة ومجردة، عالمية، وليس مرتبط بوقت أو زمن محدد، يمثل خصائص مختلفة بسمات مشتركة. فالكلمات مثل الاستقلال والديمقراطية والسكان والأسرة والمادية والبيئة كلها مفاهيم. بينما المصطلح يعبر بإيجاز عن الحقائق في العلوم أو الفن أو المهنة أو المهن الخاصة التي تتطلب خبرة بموضوع ما ولها معاني محدودة. مثل الجزيرة، الجبل، السهل، البحر، البحيرة، النهر، الهضبة المستخدمة في الجغرافيا، وكذلك التي تستخدم في مجال القانون، مثل القانون، الدعوى، المدعي، المحكمة، وفي التعبيرات مثل الزاوية والحافة والمربع المستخدمة في مجال الرياضيات هي مصطلحات.

ما الدافع لكتابة كتاب حول المفاهيم، والمعلومات عنها متوفرة بيسر وسهولة، حيث لا تتطلب سوى لمسة على شاشة الهاتف الذكي أو ضغطة زر على لوحة المفاتيح أو حركة (ماوس) لتفتح لك بكل اللغات تعاريف وشروحات حول المفاهيم؟

لننطلق من حكاية كتابة الكتاب، فمنذ عهد الشباب كنا كمجموعة شباب تسعى لإعادة تعريف المفاهيم، لأننا نؤمن بأن وضع الشيء في مكانه الصحيح يمر من المفاهيم، سواء كان علمنا حول القرآن الكريم أو التاريخ. أعطينا أهمية للمفاهيم لأن المواضيع تتحقق عبر المفاهيم. وكمثال لذلك المفاهيم عند الإسلاميين الأتراك لها مكانة خاصة وكانت محور نقاشاتهم على مدى 150 -200 عام وبوسائل مختلفة.

واليوم، حتى نفهم العصر الذي نعيشه بشكل أفضل، نحن بحاجة لإعادة تعريف المفاهيم، فاحيانا هذه المفاهيم تتغير، هكذا كان في تاريخ المسلمين ومثال على ذلك مفهومي الأمة والملة، لقد تغير مدلولهما بشكل معاكس تماما لما كان عليه في عصر القرآن. فمفهوم الأمة في القرآن الكريم كان يشمل نطاقًا واسعًا بينما مفهوم الملة كان ضيقا. بينما اليوم وبعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر بات مفهوم الأمة ضيقًا وتوسع مفهوم الملة ليشمل القومية بشكل كبير.

الآن في عالمنا الإسلامي، تأتي الديمقراطية والخلافة على رأس المفاهيم التي يتم النقاش والجدال حولها، وكذلك المفاهيم المتعلقة بإدارة الدولة. ونجد الكثير من الناس تتناول هذه المفاهيم دون تعمق وتكتفي بالنقاش على مستوى شعارات.  فمثلا هناك تجد من يقول الديمقراطية جيدة بينما هناك من يراها كفرًا لأنها نابعة من الغرب. وقسم يرى العلمانية منفذًا لإنقاذ العالم الإسلامي، وقسم يرى هذه العلمانية ما هي إلا دعوة لادينية.

تدور في الفترة الأخيرة -سواء في المجتمع العادي أو بين الإسلاميين-نقاشات كبيرة وحادة حول هذه المفاهيم، وحتى تكون هذه النقاشات تحت أرضية سليمة ومتينة تناولنا هذه المفاهيم وخاصة التي تتعلق بالمواضيع السياسية، وضحنا فيه أسباب ظهورها وتطورها التاريخي منذ نشأتها حتى يومنا هذا.

أردنا أن نقول فيه، أيها الاصدقاء طالما تستخدمون هذه المفاهيم، فلا ينبغي أن تستعمل اعتباطًا، فهذه المفاهيم لها ماض وسياق تاريخي ولدت فيه، عليكم معرفة ذلك وأنتم تتناقشون حولها. ستواجهون مشاكل كبيرة إن تناولتم هذه المفاهيم باسم الله والدين.

أود أن أشير هنا كمثال إلى مفهومين حولهما جدل كبير اليوم، هما الخلافة و(اللاييك)، وضحنا كيف ظهر مفهوم الخلافة وكيف تم تناوله، وبينا سياقه التاريخي، وكذلك أظهرنا الفرق بين اللاييك والعلمانية، وأن اللاييكية ليست علمانية بل شيء مختلف، وهناك خلط في الاستخدام. اللاييكية هي مفهوم أوروبي ولد في فرنسا تحديدًا، وهو مفهوم جيد بالنسبة لأوربا، هو شيء ايجابي لهم، لأنه حين ظهر هذا المفهوم خدم هدفًا ايجابيًا، فقد كانت أوروبا ومنذ قرون تحت هيمنة الكنسية ورجال الدين الذين كان يستغلون الشعوب باسم الرب، ويقومون بتشكيل النظم السياسية كما يرغبون. فرنسا على سبيل المثال كانت ثلاثة أرباع أراضيها تحت تصرف الكنيسة، وكانت الكنيسة وباسم الرب تحكم الناس. كان لها نفوذًا اجتماعيًا علاوة على قوتها الاقتصادية.

طبعا هذا التيار المناهض للكنيسة ماذا فعل من أجل تحطيم قوة الكنيسة؟  وضح بأن الكنيسة لا تستمد القوة من الله، وأنه ليس سليماً بناء سياسة على الإنسان والاقتصاد باسم الله، هذا الأمر كان للمجتمع الأوربي والفرنسي خاصة هو الخلاص الفعلي، وتحرر الناس من هيمنة الكنيسة وفتح آفاق جديدة. 

أخذ مثل هذا المفهوم وتطبيقه كما هو وفي بقعة جغرافية لم تكن أصلا تعاني من هذه المشكلة سيسبب مشاكل أخرى. بمعنى آخر سيتحول من وسيلة تحرر إلى وسيلة قمع للحريات وتدخل في اعتقادهم.

ألن يسبب ذلك ازدواجية المعنى والمدلول حين تطبيقه عندنا؟

إذا المفهوم في مكان ما وزمن ما يعبر عن مدلول أو معنى ويمكن أن يعطي مدلولًا ومعنى مختلفاً تمامًا في مكان وزمان آخر. بعبارة أخرى المفهوم الذي أُطر ضمن إطار معين وأعطى دلالة ومعنى ما، هو ليس ثابت عمليًا. وليس غير قابل للتغيير. المفاهيم مثل الناس حية وديناميكية، هي المجتمعات تتغير.

كمثال مفهوم القومية، وهناك فرق بين الوطنية والقومية، وعلينا معرفة ذلك. القومية مفهوم لم يظهر في البيئة الاسلامية، بل منشأ هذا المفهوم هو أوربا، وهي أيضًا مثل العلمانية ولدت في فرنسا. وانتشرت بعد الثورة الفرنسية في كافة أنحاء أوروبا ثم امتدت إلى كل أنحاء العالم.

حين ننظر للمفهوم في زمن نشأته والبيئة التي ظهر فيها نجده شيئاً ايجابياً جدًا، جيد جدًا لماذا؟ لأنه حين ظهر هذا المفهوم كانت هناك حوالي 1300 دولة في أوروبا. مثلا ألمانيا الموحدة اليوم كانت في ذلك الزمان مؤلفة من 400 دويلة، وكذلك إيطاليا حوالي 400 دويلة. كانت أوروبا دولًا مبعثرة متفرقة، كانت الوحدة شيئاً جيداً لهم، وباسم القومية توحدوا. الآن هذا المفهوم الذي لعب دورًا ايجابيا في أوروبا سبب نتيجة معاكسة حين تم زرعه في بيئة مخالفة.  في الوقت الذي كانت فيه أوربا كما قلت 1300 دولة كان في العالم الإسلامي دولتان فقط. لذلك لم يكن بحاجة للقومية.  كان الناس غير المسلمين يعيشون مع المسلمين دون مشاكل.

هذا يعني نحن بحاجة لاعادة تعريف المفاهيم

طبعًا ولا شك في ذلك. لو عدنا لمفهوم الخلافة مثلا، نجد اليوم أحدهم يظهر ويعلن أنه خليفة وفيه تحقق شروط الخلافة وعلى المسلمين مبايعته!؟  لذلك نحن بحاجة لإعادة تعريف المفاهيم وفهمها ونتمنى الاستفادة مما كتب.

الكتاب: المفاهيم السياسية والأيديولوجيات في العصر الحديث

المؤلف: حسين اوز هازار.

اصدار: دار تيرة كتاب، الطبعة الأولى حزيران 2020.

حوار وترجمة علاء الدين حسو

 

Whatsapp