الحوار الكردي-الكردي في سورية


 

 

تتصاعد في الفترة الأخيرة وتيرة المباحثات الكردية-الكردية برعاية أميركية، والهدف كما هو معلن تشكيل مرجعية سياسية كردية في الشمال الشرقي لسورية بهدف توحيد الموقف الكردي ومحاولة تشكيل فريق عمل موحد يدخل في جسم الهيئة الدستورية المنبثقة عن أجسام المعارضة المعروفة.

وإن كانت فكرة وحدة الجماعات الكردية، ليست جديدة، بل هي قائمة منذ أول انقسامات شهدها الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب الأم للأكراد السوريين الذي تأسس عام 1958، ثم ظهرت عنه تفرعات، فشلت كل جهود إعادة توحيدها مجدداً، غير أنه وبعد انطلاق الثورة السورية، حاولت الأحزاب الكردية توحيد صفوفها، إلا أن عدم اتفاقها على رؤية سياسية موحدة، وارتباطها بالأحزاب الكردستانية العابرة للحدود كانت عائقاً أمام إنجاح محاولات الاتفاق، وتقلصت لتصبح بين قطبين رئيسيين هما المجلس الوطني الكردي في سورية ENKS المقرب من إقليم كردستان، وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD المُقرب من حزب العمال الكردستاني والذي توسعت سيطرته من خلال تحالفه مع عصابات الأسد، ومن ثم اعتمدته القوات الأميركية كرأس حربة في مواجهة قوات داعش ليؤسس على أنقاضها مشروع الإدارة الذاتية.

فشلت الكثير من محاولات توحيد الطرفين، وتقريب وجهات النظر بينهما، بالرغم من الاتفاقات التي وقعت بينهما، إلا أنها لم تُطبّق على الأرض عملياً، وأهمها (هولير1) و (هولير2) ومن ثم (دهوك1)، ويحيل الكثيرون فشلها إلى تهرب حزب الاتحاد الديمقراطي من تطبيق البنود المتعلقة بمشاركة الطرفين في إدارة المنطقة، ورغبته في أن يعمل المجلس الوطني الكردي تحت جناحه.

وإن كانت المرحلة الجديدة من المفاوضات التي كانت جولتها الأولى قد بدأت في نيسان الماضي والتي بلورت إتفاق بين الطرفين على رؤية سياسية مشتركة تضمنت أن "سورية دولة ذات سيادة، يكون نظام حكمها اتحادي فيدرالي يضمن حقوق جميع المكونات" واعتبار "الكُرد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة في حل قضيتهم القومية". دون إيضاح الأساس الذي تم إعتماده للنظام الفيدرالي، وهل هو إقرار دون إرادة باقي الشعب السوري وأساس للنضال الكردي في المرحلة القادمة، وماهي الوحدة الجغرافية التي يتموضع عليها القوميون الكرد.

أما الجولة الثانية من المفاوضات بين الطرفين فقد تمخضت عن تأسيس المرجعية الكردية العليا المنشودة بنسبة 40% لكل طرف، و20% لبقية الأحزاب والمستقلين، وسيتم اقتراحهم بنسبة 10% من قبل كل طرف. من دون تحديد آلية إدخال باقي مكونات المنطقة في إدارتها.

والجولة الثالثة الحالية والتي تعتبر الأكثر تعقيداً وأهمية، فخلالها ستناقش المواضيع الخلافية الأساسية وهي (عودة بيشمركة روج، إلغاء التجنيد الإلزامي، المشاركة في الإدارة الذاتية، فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني، المناهج التعليمية)، وهي في معظمها مواضيع تم تأجيلها من المراحل السابقة كي لا تتعثر المفاوضات في مراحلها الأولى، فقد حاولت الأطراف الضامنة التركيز في المراحل الأولى على النقاط التي يمكن حلّها كي تتعزز الثقة بين الطرفين. وإن كان لكل طرف في هذا الحوار أهدافه الخاصة، فحزب الاتحاد الديمقراطي يريد فك العزلة السياسية والإشتراك في الحل السياسي والمؤتمرات الدولية، بالإضافة لخشيته من قيام تركيا بعملية عسكرية أخرى إذا لم يتم إشراك أطراف أخرى في إدارة شمال شرق سورية. وفي المقابل، يسعى المجلس الوطني الكردي إلى تفعيل وجوده ومشاركته في إدارة المنطقة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية. وتختلف درجة ارتباط كل طرف بحليفه الكردستاني، فحزب الاتحاد الديمقراطي ارتباطه قوي وعضوي، حيث يقوم حزب العمال الكردستاني برسم سياسات الحزب العامة، وقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي هم قادة سابقون ضمن حزب العمال الكردستاني، بينما يقتصر ارتباط المجلس الوطني الكردي على الدعم والتمويل، مع الابتعاد عن التدخل في السياسة الداخلية للمجلس.

ويسعى الراعي الأميركي من هذا الحوار إلى إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي عن تأثير حزب العمال الكردستاني عن طريق إشراك مكونات أخرى فعلياً في الإدارة، أو في الحد الأدنى التقليل من تأثير الحزب في الإدارة من خلال المكونات الأخرى (العربية والتركمانية والسريانية) التي ستشارك في إدارة شمال وشرق سورية، وبالتالي إرضاء تركيا التي ترفض استئثار حزب الاتحاد الديمقراطي التي تجده أنقرة فرعاً لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب. لذلك فإن مسؤولو المجلس الوطن الكردي يؤكدون أن قطع العلاقة مع حزب العمال الكردستاني يعتبر الحل الوحيد لردع أي هجمات تركية جديدة تستهدف مناطق شرق الفرات كونها ترى فيها مناطق نفوذ لمقاتلي العمال الكردستاني المحظور.

ولكن الحوار الكردي – الكردي يواجه تحديات أبرزها مطالبة المجلس الوطني الكردي بعودة (بيشمركة روج) إلى مناطقة الإدارة الذاتية وإشراكها في حماية المنطقة، إضافة إلى مشاركة المجلس الفعلية في العملية السياسية والإدارية. وإن كانت نقاط الخلاف في الجولة الأخيرة قد تلخصت في النقاط التالية: (فك الارتباط بين الإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني، تعديل العقد الاجتماعي، إلغاء التجنيد الإجباري، إلغاء مناهج التعليم التي فرضتها الإدارة الذاتية، الكشف عن مصير المعتقلين)، إلا أن نقطة عودة بشمركة روج إلى سورية تعتبر أبرز نقاط الخلاف لكون حزب الاتحاد الديمقراطي يشترط اندماج البيشمركة في قوات سورية الديمقراطية كأفراد، فقوتهم العسكرية هي الميزة الوحيدة التي تمنحهم القوة للاستفراد بإدارة المنطقة.

ومهما كانت نتائج مساع الراعي الأميركي فإنه في أحسن أحوالها وفي حال تجاوز جميع العقبات فإن الاتفاق على جميع هذه النقاط يعتبر مهماً ولكنه يمثل نصف الشوط فقط، أما النصف الآخر فهو تطبيق هذا الاتفاق والالتزام وبه على الأرض، نظراً لوجود تجارب فاشلة سابقاً في مرحلة تطبيق الاتفاقيات.

وإن كانت معظم السيناريوهات حول مستقبل هذا الحوار مفتوحة في ظل وجود مصالح متناقضة من هذا الحوار لمعظم القوى الفاعلة في سورية، فالولايات المتحدة لديها مصالح تتلخص في استقرار مناطق تواجدها وإرضاء تركيا، بينما روسيا والنظام وإيران لهم مصالح في إبعاد الكرد عن التأثير الأميركي، وتهديد تركيا بوجود حزب العمال الكردستاني على حدودها.

وإن كان لدى البعض استغراب في مواقف المعترض من الحوارات الكُردية، نظراً للمطلب المتمثل في إخراج العناصر غير السورية من حزب العمال الكردستاني من مجمل الأراضي السورية، ومنح حكم المناطق إلى المجتمع المحلي لإدارتها إلى حين إجراء انتخابات عامة على مستوى سورية كلها. إلا أنه ما يستحق ذكره أن الموقف من الحريات والديمقراطية لايجب أن يتجزأ، بمعنى أن الحديث عن الانتهاكات التي كانت تقوم بها الإدارة الذاتية على صعيد الحريات، والتعددية السياسية، والتربية والتعليم، وما يقوله الإعلام عن قضايا خلافية عميقة في دير الزور بين الأهالي وقسد، وهو ما تركز عليه المعارضة السورية كثيراً. يجب أن لا ينسى أو يتناسى خلال رسم الآليات التي ستدار بها المنطقة في الإتفاق وهذا ما لم يتم لحظه خلال الحوارات السابقة.

وهناك نقطة شديدة الأهمية غابت عن المتفاوضين الأكراد، وهي ضرورة دعوة سوريين آخرين من شخصيات وجماعات سياسية من أبناء المنطقة للمشاركة فيها، والذين يشكلون أغلبية سكانية فيها، أو للحضور على الأقل باعتبارهم مراقبين، لأنه وبغض النظر عن أي شيء آخر، فإن المفاوضات تتعلق بسورية أو بأجزاء منها، وتتصل بسوريين أكراد، وليس بأي أكراد، ونجاح مفاوضاتهم وتوصلهم إلى توافقات بغض النظر عن رأي الآخرين فيها، ستكون مثالاً يمكن أن يتبعه السوريون الآخرون، ويكسرون فيه صعوبات الاتفاق والتوافق السوري المفقود.
بناء على ذلك يظل موضوع التفاهم الوطني السوري على القواسم المشتركة، وعلى برنامج وطني يطمئن سائر المكونات السورية، من دون أي استثناء أو تمييز، هو المدخل لتعزيز وحدة السوريين، الأمر الذي سيمكنهم من العيش المشترك رغم كل ما حصل.

 

 

د.م. محمد مروان الخطيب

كاتب وباحث سوري

Whatsapp