لندع الحساسيات القديمة بين القوميتين العربية والتركية، فبناء العلاقات بين الدول على أساس قومي انتهى، لان القومية العربية والقومية التركية هما أمران متعلقان بمورثات كل عرق ولا يمكن نزعها من مكوناتنا، فالفخر بالقومية شيء وبناء العلاقات على أساسها شيء آخر، وهذا المفهوم كان جزءاً من دراستي في كلية العلوم السياسية في جامعة (ستاتن ايلاند) إضافة لمهنتي الهندسية.
لماذا؟، لأن بناء العلاقات على أساس القومية لا يخضع للتغيير طالما المورثات لا تتغير في مكوناتنا ليوم القيامة فإن كنا نعادي دولة أخرى بقومية مخالفة لنا فستستمر العداوة بيننا على أساس قومي ليوم يبعثون مادامت مورثاتنا هي هي لم تتغير.
هذه الحساسيات بيننا وبين الأتراك ولدت فعلاً مع ضعف الدولة العثمانية واستيلاء جماعة أتاتورك وحزب الاتحاد والترقي على بقايا الدولة العثمانية، وفي الجهة المقابلة عززت القومية التركية توجه قومي عربي على مبدأ قانون الفعل ورد الفعل، وكان بعض حاملي لوائه ذوي نيات سليمة والبعض الآخر كان تياراً ظهر معظمه في لبنان ومدفوع من قبل جهات أوروبية حاقدة على الدولة العثمانية وأخص من هذه الجهات فرنسا ، فتوتر الجو بين القوميتين وخاصة بعد دخول الانكليز على الخط بتأليب جماعة الشريف حسين على الدولة العثمانية ونتائج هذا التأليب كان مؤامرة كبيرة أعطيت بموجبه فلسطين لكيان صهيوني وتقسيم العرب إلى دول بعد أن وعد الانكليز الشريف حسين باستقلال العرب وقيام كيان عربي موحد.
فدرس مؤامرة الفرنسيين في لبنان ودرس مؤامرة الانكليز في الحجاز يجب أن يكونا نصب أعيننا ولندرس حاضرنا ومستقبلنا بشكل عقلاني مبنياً على ذاك التاريخ، وهذا لا يعني أن ننسى أننا عرب بل ونحافظ على عروبتنا كانتماء، ولكن في نفس الوقت علينا ألا ننسى أن معظمنا مسلمون وتجمعنا مع الأتراك ثقافة واحدة وتاريخ واحد وخضنا معاً حروباً ضد الصفويين وضد الأوربيين أصحاب المطامع الكنسية في بلادنا لاستكمال حروبهم الصليبية.
وأريد أن أذكر أيضاً أن سورية ودول عربية أخرى وضعت في العهد العثماني على جادة التقدم ومازال الكثير من المرافق والبنى التحتية والأسواق التي شيدت في العهد العثماني مازالت فعالة حتى اليوم.
كما لا أنفي وجود تيار بيننا من المشككين بدور الأتراك في سورية بادعائهم أنهم طامعون باقتطاع أجزاء من سورية لضمها للأراضي التركية، أقول لهؤلاء: إذا كان الأميركان يريدون تقسيمنا على أساس عرقي ويعملون جادين لاقتطاع أجزاء من وطننا السوري لمكون لا يزيد تعداده عن مليون نسمة والحبل على الجرار، فهل تركيا بحاجة لضم أقلية عربية إليها؟ لتتحول مع الزمن إلى شوكة في خاصرة تركيا وقد تتضامن مع أقليات أخرى كالعلويين أو الأكراد لتقسيم تركيا؟
تتعرض تركيا اليوم لمؤامرات عديدة وليست مؤامرة واحدة، ودوافع هذه المؤامرات عديدة منها: تركيا دولة بمكون شعبي إسلامي، والحروب في منطقتنا تقوم مع الأسف على أساس ديني كما كانت منذ عشرة قرون، ولكن هذه المرة يتم تعزيزها بطرق مخابراتية وتكنولوجية ونفسية متقدمة لإضعاف المسلمين في أي دولة طامحة للتقدم، أياَ كانت؟، وتركيا دولة متقدمة فالتركيز عليها أضحى أولوية، واستكمالاً للمؤامرة تم تصنيع داعش وتصنيع حكام عملاء من الأسد للسيسي لابن زايد ودعم حفتر كل ذلك لتعزيز هذه المؤامرات، ومن ظواهر هذه المؤامرات أيضاً كان حرق المصاحف والهجوم المسلح على المساجد في أوروبا ورسم الصليب على أول صاروخ روسي أطلق باتجاه الشعب السوري كان بتوجيه من قبل بابا موسكو، كما أن تصريح هذا البابا بقوله من أن سيطرتنا على سورية هو طلب كنسي فرضناه على بوتين يؤكد حجم المؤامرة على تركيا وأي دولة إسلامية تحاول أن تضع نفسها على سكة التقدم.
سقوط تركيا هو هدف مرسوم بدقة، وخاصة أن تركيا أصبحت من الدول العشرة المتقدمة علميًا وتكنولوجياً ويحاولون تأخير نجاح أي ثورة عربية تستفيد من تجربة تركيا وبالتالي تفرض نفسها مع الدول المتقدمة وخاصة أن الكوادر العلمية متوفرة.
هذه الحروب في بلادنا لن تنتهي إلا بصمود تركيا وتحقيق أهدافها أو معظمها، أو سقوطها وتسليمها لمجموعة عسكرية - مدنية خاضعة لمطالب أصحاب المؤامرات.
مشكلة تركيا اليوم هي في نصب أصحاب المؤامرات الأفخاخ المتتالية لها في كل مكان وكل فخ بطعم مختلف: ففي سورية فخ التقسيم مدعوم من فرنسا وحكام خليجيين خاضعين لإسرائيل وأميركا، وفي البحر المتوسط فخ عزلها ومنعها من الاستفادة من ثرواتها البحرية مدعوم من فرنسا وأميركا بشكل خفي، وفي اليونان فخ تاريخي مدعوم أوروبياً وروسياً، وفي أذربيجان فخاً أرمنياً روسيا ً، ولا ندري ماذا يحضر لها مستقبلا ً من أفخاخ.
والسؤال الهام، هل الحكومة التركية واعية لهذه المؤامرات؟ أجيب بنعم، فليست الإدارة التركية تعي هذه المؤامرات فحسب بل الحزب القومي المتحالف مع حزب العدالة يعي ذلك، بل أكثر من ذلك الشعب التركي الموحد ضد هذه المؤامرات يعي ذلك أيضاً.
فدروس مشابهة في توريط عبد الناصر في اليمن وفي توريط صدام حسين في الكويت وغيرها هي في ذاكرة الإدارة التركية.
التصميم التركي بالحصول على حقها المغتصب منذ بدايات القرن العشرين قوي جدا ًوهي مستعدة لخوض حرب من أجل ذلك وإن كان أعداؤها يرغبون بالتهدئة فهم يعلمون بالنهاية إن خسارتهم لتركيا يعني سقوط المنظومة الأوروبية لقمة سائغة في فم الروس.
إن صمود تركيا بالنهاية يصب في مصلحة الشعب السوري وعليه فلننسى الحساسيات القديمة المبنية على العاطفة، ولنبدأ معاً واقعاً عملياً مبنيا ً على العقل والتاريخ والعقيدة والعوامل المشتركة. فانتصارنا يكمن بزيادة حلفائنا وبالتغاضي عن الصغائر وتوحدنا ولنحسن النية في الوطنيين الشرفاء من شعبنا.
م. هشام نجار
كاتب سوري