هل الإسلام في أزمة أم أن ماكرون هو المأزوم؟


 

فرنسا تعدّ واحدة من أسوأ الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها المسلمين، نتيجة تبنّيها نموذج متطرف في العَلمانية استُخدم كمبرر للتمييز ضد المسلمين، بدعوى الاندماج ومحاربة التطرف، أما الخطورة في تصريحات "ماكرون" ليس في كونها نقداً للدين الإسلامي فالرئيس الفرنسي ليس مفكّراً يطرح أفكاره للنقاش، بل هو المسؤول الأول في بلدٍ يتراوح عدد المسلمين فيه بين خمسة إلى ستة ملايين، وقد جاءت تصريحاته تلك تمهيداً لمشروع قانون ضد ما سمّاه (الانفصال الشعوري) حيث استغرق تحضيره أشهراً ويهدف حسب واضعيه إلى "مواجهة التطرف الديني وحماية قِيم الجمهورية الفرنسية" وهو يرمي إلى فرض رقابة أكثر صرامة وتقييداً على الجمعيات الإسلامية والمساجد. 

إن أول دليل على أن الإسلام ليس في أزمة هو اضطرار رئيس دولة عظمى إلى التعليق عليه، ولو كان الإسلام في أزمة وفي أفول لما استحق منه ومن غيره ذلك الاهتمام، ناهيكم عن الحرب المعلنة على الإسلام، سواء تحت اسم "الإرهاب" الذي هو صنيع أعداء الأمة، أو تحت مسميات أخرى عُقدت وتُعقد حولها العديد من المؤتمرات المعلنة وغير المعلنة للتآمر على هذا الدين.

الحديث عن نظرية "صراع الحضارات" و"الخطر الأخضر" و"الإسلاموفوبيا" دليل على أن الإسلام لا يعيش أزمة بل على العكس من ذلك، فهو يعيش تصاعداً وانتشاراً وقوة تخيف وترهب من يتربصون به، وهذا بالضبط سر اهتمامهم بالتآمر عليه ومحاولات تشويهه التي استمرت منذ ولادته وحتى يومنا هذا، والتي تزايدت مع تزايد انتشاره واقتناع الكثيرين من علماء اقتصاديين واجتماعيين بأنه الحل الأنجع وأنه السبيل الأوحد للانعتاق من براثن الماديّة القذرة التي ابتلي بها العالم والتي نشرت الفقر والعوز والحروب والكوارث. 

وبعد أن فشلت محاولاتهم الحثيثة قديماً في تحريف القرآن - ذلك الكتاب الذي تعهد الله بحفظه - انتهوا إلى قناعة بأن سبيلهم الوحيد يكمن في اختراق المسلمين وإبعادهم عن هذا الدين من خلال الطعن برموزهم وعلمائهم وذلك بتحضير ودس شخصيات تابعة لهم ليتقمصوا دور الدعاة وفتح المنابر الإعلامية لهم ودعمهم وتلميعهم وترويجهم، ومن ثم تكليفهم بمهمة الطعن بأصول الدين وثوابته ورموزه وأئمته، فإن لخطتهم الخبيثة تلك احتمالين: 

الأول أن ينجح مروجوها في إقناع العامة بضرورة "تحديث" و"تحرير" الفكر الإسلامي وهو هدفهم الأساس الذي يمهد لتهجين الدين وتدجين أتباعه.

أما الاحتمال الثاني -إن فشل عملاؤهم في إنجاز المهمة وكُشفت غايتهم- يكونوا قد قدموا الصورة السيئة المشوهة في نفوس العامة عن قدوات الدين الإسلامي ودعاته ورموزه، فيكونوا قد أنجزوا قسماً كبيراً من خطتهم الخبيثة في كلتا الحالتين.

الثابت الذي أرعبهم هو أن الإسلام حقائق وجودية خالدة تملك حلاً للمشاكل المستعصية على السلطات وعلى القوانين الوضعية، فهو دين الله وليس نظام حكم يعتمد على مزاج الناخبين وتزييف الوعي، فالإسلام هو الحضور المستمر للعقل والبرهان وحماية الإنسان والإنسانية دون تمييز أو تفرقة، ولا شك أن تعارضه مع قيمهم المشوهة وانحلالهم وتسلطهم وجشعهم وتعاليهم هو ما جعله الهدف الأول والأهم لعدائهم الممنهج لكل من يعتنقه صافياً، نقياً، واضحاً كما أنزل.

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

Whatsapp