جائزة نوبل للآداب


 

كنت أريد لشاعر سوري أن ينال نوبل فقط ليلفت أنظار العالم إلينا بعيون شعرية وليُذكر اسمنا في (النيويورك تايمز وواشنطن بوست ودير شبيغل) لمرة واحدة دون دماء.

كنت سأحمل الجريدة في القطارات وأرفعها عالياً كلّما تجلس بالقرب مني سيدة ألمانية لتقرأ أن شاعراً سورياً حصد نوبل، وكنت سأصعد من أول عربة للقطار وأتوجه إلى آخر عربة ماراً بمئات قّراء الصحف في مقاعدهم والجريدة بيدي وصورة الشاعر السوري.

كنت أريد للشاعرٍ السوري الذي قدّم للشعر ما لم يقدمه أحد وأضاف للشعر الكثير أن يفوز شعره بتلك الجائزة شعره فقط.

كنّا بحاجة ماسة لأن نلفت انتباه العالم ولو لمرة واحدة بأننا نصلح للشعر والأدب ونستطيع أن نكون عالميين لدرجة أن تبعث فتاة بريطانية برسالة إلى حبيبها المكسيكي وتختتمها بقصيدة حب لشاعر سوري.

كنت أريد لحدث كبير كنوبل أن يعيدنا إلى زمن نجيب محفوظ وتصبح بلادنا أم الدنيا، بعد أن لحقت بنا تهمٌ كثيرة وصارت أنظار العالم تهرب منّا ومن نزوحنا وتغلق الأبواب والبحار بوجهنا وحتى وصلت بهم إلى إغلاق المذياع حين يكون الخبر سورياً.

سألتني ذات مرة صاحبة دار نشر ألمانية:

  •  هل عندكم شعراء جيدون؟

 أجبتها بنعم لكنها ابتسمت وقالت:

  •  أعرف محمود درويش فقط وهو ليس سوري.

كنت أريد وأريد أن نسجل هدفاً يتيماً في مرمى نوبل وقد يكون الوحيد لمئة عام قادمة، وكان سيسعدني ويرفع من معنوياتي أمام الجميع أولهن بناتي وصديقاتهن اللواتي يعرفن (كفافي ومونتالي وبرودسكي وسيفرت وهولان وشكسبير ورامبو وغوته وشيلر) ولا يعرفن شاعراً سورياً. 

كنت أريد لهذا الحدث أن يشغلنا ولو لأسبوع عن أخبار القتل ويدفع بنا إلى جدل جديد سيشغل كل الصحف العربية وكنت سأقرأ هذه العناوين:

١-الشاعر السوري الكبير يحصد نوبل 

٢-الشاعر السوري الكبير ذو الخلفية الطائفية يحصد نوبل 

٣-الشاعر السوري الكبير المؤيد للطاغية يحصد نوبل 

٤-الشاعر السوري الكبير الذي رفض التوقيع على مذكرة الإفراج عن شاعر سوري كبير كان يرقد في تدمر يحصد نوبل. 

٥-الشاعر الذي وصف جسد المرأة بالإجاصة يحصد نوبل 

٦-الشاعر السوري الكبير الذي غيّر اسمه يحصد نوبل.

كنت أريد وأريد أن نحتفل بالشعر السوري لنشرح للعالم حجم الخطر الذي يلفّنا منذ الولادة فكيف لشاعر كبير أن يعطي ظهره لشعبه لولا أنه مدرك تماماً أن الشعر لن ينقذه.

كنت أريد أن نقتلع عين الشعر لنقول للجنة التحكيم نحن نُولد شعراء ونموت عمال بناء، نحن شعب نصفه كتّاب لأن حياتنا مليئة بالأعاجيب والمعجزات ولا تشبه حياة أحد، وفي كل قرية عندنا مئات الشعراء، عامودا مثلاً أو سَلَميّة ومئات القصائد التي كُتبت في امرأة واحدة هجرت القرية وتزوجت تاجراً في المدينة.

كنت أريد أن أراه لمن سيهدي نجاحه كي أغلق ملف الجدل حوله، وكنت أريد أن أشتري صباح الغد جريدة ألمانية تحمل صورة شاعر سوري أعلقها على بابي نكاية بالألمان.

كنت أريد وأريد لكن نوبل لا تريد.

 


 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp