أبو الشمقمق الرقي


في سنة من سنوات الربع الأخير من القرن الماضي، وفي إحدى صحف سوريا الثلاث الأكثر شبهاً بالتوائم المتماثلة، والمحكومة بالشللية، والرقابة الأمنيّة، كان ثمة زاوية بعنوان " حديث الأربعاء" يكتب فيها أحد الأدباء باسم " الحطيئة الحمصي"، وكان يُعرّف بنفسه مُذكراً " بجرول بن أوس" الحطيئة الحقيقي، الناقم على دمامته وقبحه، والحاقد على بيئته ومجتمعه، متشبهاً به وبسلاطة لسانه، ذاكراً في ذلك العدد الذي لفتني ـ فيما يشبه التخييل الذاتي ـ شيئاً عن ليلة القدر التي انتظرها لتنقذه مما هو فيه، فكتبت أرد عليه بقصيدة مذيلة بتوقيع ( أبو الشمقمق الرقي)، أحاول الآن أن ألملمها من ذاكرتي المبعثرة، بعد أن فقدت أصلها، مع أكثر أوراقي ومخطوطاتي، عندما فقدت الجزء الأكبر من مكتبتي، وفيها أقول:

 

تمنى مُنيَةً فأطلتُ صبـــــري                     على خَرِفٍ به الأحلامُ تزري

يقولُ .. وليلةٌ للقدرِ أضحــتْ                       تراودُ للحطيئةِ رثَّ فكــــــرِ

أَلا شكلٌ جديدٌ يعتـــــــريني                         فينقذني من الشكلِ الأَمَــــرِّ

تباركَ خالقي مما برانــــــي                        أَمنْ وحلِ الجحيمِ وكلِّ نُكْـرِ

تُرى أم من بقايا كلِّ حــــيٍّ                        فلم يُعنى بتقويمي ونشــري

فلمّا أنْ يئستُ من استوائي                         وتقويم اعوجاجي ثم جبري

وأخلاقي التي قد شابهتنــي                        فتقبسُ من قِباحي ثم تـجري

تبنّيتُ المكارمَ في حـــديـثٍ                        على ضَغَنٍ وتدليسٍ ومَكــرِ

أخادعهم وأشفي النفسَ منهم                       حديثُ الأربعاءِ يفشُ قهري

 

وكانت المرة الأولى والأخيرة التي ينشر لي فيها بهذا الاسم بعد أن تبين لهم أنّهم خُدِعوا، وأنّ هذه القصيدة ليست للشاعر الحموي المرحوم سعيد قندقجي، كما اعتقدوا.

هذا كان حالنا عندما كنّا نبحث عن مساحة صغيرة للنشر في سوريا التي بلغ فيها عدد الصحف اليومية والأسبوعية سنة 1948 نحو 45 دورية في بلد كان عدد سكانه 4 ملايين نسمة، والذي آل بها الحال منذ انقلاب البعث 1963 وحتى تاريخه، إلى ما اختصره " أحمد اسكندر" وزير إعلام حافظ الأسد لعشر سنوات، "والذي صنع أسطورته في مخيّلة السوريين" عندما خاطب الصحافيين قائلاً: 

"أريد أن يكون الإعلام السوري كلّه مثل فرقة سيمفونية، يقودها مايسترو هو وزير الإعلام، وكلّ عازفيها ينظرون إلى العصا التي يحملها المايسترو، ويعزفون حسب حركتها".

 خطابٌ يخجل منه وزير الدعاية النازية غوبلز، ما دعا "فيصل بليبل" إلى الانسحاب من اتحاد الكتاب قائلاً:

ليس يغني عن الظِماءِ السرابُ                   نحنُ مستَكتبونَ لا كتــــــــــابُ

بعد أن كتب في العام 1974 قصيدته الطويلة " لو كان في وطني جرائد "، يقول في مطلعها:

الليلُ تغشاهُ الشدائدْ                               والغيم قد كفرَ الفراقدْ

خانت رسالتها العقائدْ                            ومعلم الإصلاحِ فاسدْ

والشعب يمشي وهو راقدْ                         هذا أوانكِ يا قصائدْ

لو كان في وطني جرائد.

-----

  • لم يُعنى: في الإبقاء على حرف العلة أقوال ولا سيما في الشعر، وما يقتضيه الوزن من اشباع الحركات.

  • قِباح: جمع قبح

  • الضِّغْن والضَّغَن: الحقد

  •  أحمد اسكندر وزير الإعلام العلوي الأشهر في حقبة آل الأسد، ووالد الدبلوماسية لمى أحمد التي انشقت عن النظام في حزيران 2013 فيما كانت مكلفة بوظيفة قنصل في إسلام أباد.

 

بسام بليبل

شاعر وكاتب سوري

 

Whatsapp